كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

207…أما غلات الحبوب، مثل القمح والشعير، فتأتي بعد محصول التمر من حيث الكثرة، إذ كانوا يزرعونها تحت النخل (1)، ولم يكن هناك مزارع خاصة بالحبوب، إلا بعد قيام بعض المهاجرين بتولي هذا الأمر (2). وكان الشعير يحتل المقام الأول، في اعتماد الناس عليه (3)، بينما كانت زراعة المقح - فيما يبدو - لا تكفي حاجة أهل المدينة، ولذلك ذكر أن القمح كان يحمل من البلقاء إلى المدينة (4). وقد عمل المهاجرون - فيما بعد - على التوسع في زراعة القمح وعلى وجه الخصوص، ما ذكر من أن طلحة بن عبيد الله التيمي، كان أول من زرع القمح بوادي قناة شمالي المدينة (5). ومع ذلك فإن محصول القمح لم يكن يسد حاجتهم، ولذلك اتجهوا إلى تعويض النقص، بالاستيراد من الخارج، حيث ذكر أن عبد الرحمن ابن عوف، قدمت له سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق والطعام عامة (6). وإلى جانب ما ذكر كان يزرع في المدينة بعض الفاكهة. ومن بساتينها، ما كان يحمل الفاكهة في السنة مرتين (7). وكان أشهرها العنب، وهو أنواع مختلفة. منها المراودي، وهو أجودها، لرقته وحلاوته (8). وأحسنه ما كان في حدائق قباء، ثم العالية، ثم جفاف، وباقي بساتين المدينة (9). وحكى أن لسعد بن أبي وقاص، بالعقيق، كرم تباع ثمرته بألف دينار (10). هذا إلى جانب زراعتهم للبطيخ والخربز (11).…
__________
(1) البلاذري: فتوح البلدان، جـ1، ص18. ونحب أن نشير هنا إلى أنه لا يوجد إحصاء عن مقدار غلة المدينة من التمر والحبوب، غير أن بعضهم قد رجح أن محصول الشعير، كان يساوي ربع محصول التمر، قياساً على ما كانت تنتجه خيبر، وهي واحدة شبيهة بالمدينة، فقد كان تنتج أربعين ألف وسق من التمر وعشرة آلاف وسق من الشعير. (انظر: الشريف: مكة والمدينة، ص358، وانظر أيضاً المقريزي: إمتاع الأسماع، جـ1، ص328 - 29، والهامش رقم 3، نفس المكان). (2) ابن سعد: الطبقات، جـ3، ص222. (3) ابن سعد: نفس المصدر، جـ1، ص40، 408، الشريف: المرجع السابق، ص358. (4) الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ2، ص52 - 53. البلقاء: مدينة بالشام من عمل دمشق، سميت بالبلقاء بن سورية من بني عبيل ابن لوط، وهو بناها، وبها كان اجتماع الحكمين: أبي موسى وعمرو بن العاص. وفيها قرى كثيرة وموارع واسعة. (انظر: الحميري: الروض المعطار، ص96 - 97. ياقوت: معجم البلدان، جـ1، ص489). (5) ابن سعد: المصدر السابق، جـ3، ص222. (6) الذهبي: سير أعلام النبلاء، جـ1، ص50. (7) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص71. (8) كبريت: الجواهر الثمينة، ورقة 55 - 56. (9) كبريت: نفس المكان. (10) كبريت: نفس المكان. (11) مالك: الموطأ، جـ2، ص619.

الصفحة 207