كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

21…وقد ساعد النشاط البركاني في المدينة على حجز المياه الجوفية مما جعل في الاستطاعة الوصول إليها في أي بقعة منها عند حفر الآبار العميقة (1). ولذلك كثرت بالمدينة الآبار التي يسقى منها النخل والزرع (2). ومن هذه الآبار: بئر أريس غربي مسجد قباء (3)، وبئر البصة جنوبي البقيع (4). وبئر حاء شمال المسجد النبوي (5). وبئر بضاعة، شمال غرب المسجد النبوي (6). ثم بئر رومة وسط العقيق من أسفله شمالاً وكانت ليهودي يبيع المسلمين ماءها فاشتراها عثمان بن عفان "رضي الله عنه" فجعلها للمسلمين (7). وكان لتضافر تلك العوامل الطبيعية التي أشرنا إليها مثل توفر المياه بجميع مصادرها بالإَافة إلى خصوبة التربة البركانية، أن أصبحت المدينة في المقام الول، مدينة زراعية على العكس من مكة التي كانت مدينة تجارية (8). ويسود المدينة مناخ صحراوي متطرف. ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: "آلا صلوا في الرحال (9) ". وكان يقول: من صبر على أوار المدينة وحرها كنت له يوم القيامة شفيعاً شهيداً (10). كما روى عنه أنه قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة (11) ". ولم يكن لنزول المطر على المدينة مواسم معينة أو أوقات متقاربة. ولذلك كانت المدينة عرضة لسنوات الجفاف والقحط (12). وأحياناً تتعرض لسيول جارفة تكتسح ما يقابلها من مواش وزروع وطرق (13).…
__________
Brita; Ency. Vol. 15 p. 206 (1) (2) اليعقوبي: المصدر السابق، ص72. (3) المطري: التعريف، ص56. (4) المطري: نفس المصدر، ص58. البقيع: هو بقيع الغرقد: أصل البقيع في اللغة: كل مكان فيه أروم الشجر من ضروب شتى، وبه سمى بقيع الغرقد، والغرقد: كبار العوسج وهو مقبرة أهل المدينة شرقي المسجد النبوي وغير بعيد منه. (انظر: الفيروز آبادي: المغانم المطابة، ص61، الأنصاري، عبد القدوس: المرجع السابق، ص175 - 176). (5) المطري: المصدر السابق، ص58. (6) المطري: نفس المصدر، ص59. (7) ابن شبة: أخبار المدينة، ورقة 49. المطري: التعريف، ص59 - 60. (8) Brita; Ency. Vol. 15 p. 207. (9) مالك: الموطأ، جـ1، ص73، والرحال: جمع رحل وهو المنزل والمسكن. (10) المطري: المصدر السابق، ص17، ياقوت: معجم البلدان، جـ5، ص83، والأوار: حر الشمس والنار. يقال: لفحني أوار النار وأوار الشمس، وأوار التنور. (أنظر: مجموعة من المؤلفين: المعجم الوسيط، جـ1، ص32). (11) مالك: المصدر السابق، جـ1، ص15. وأبردوا: خففوا. (انظر: المعجم الوسيط، جـ1، ص47، مادة برد). (12) مسلم: الصحيح، جـ2، ص614 - 615. (13) روى أن رجلا جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وتقطعت السبل (لأن الإبل ضعفت لقلة القوت عن السفر) فادع الله. فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة. قال: فجاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالك يا رسول الله تهدمت البيوت وانقطعت السبل (لتعذر سلوك الطرق من كثرة الماء وهلكت المواشي من عدم المرعى، فقال الرسول (ص): اللهم ظهور الجبال والأكام (وهو التراب المجتمع)، وبطون الأودية ومنابت الشجر. قال: فانحابت عن المدينة انحياب الثوب (أي خرجت عنها). (انظر: مالك: الموطأ، جـ1، ص191).

الصفحة 21