كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

214…من المدينة إلى فارس، كان يقوم بها بعض تجار يثرب. ولذلك اضطر هؤلاء التجار إلى تعلم الفارسية، وكانوا قلة بين الناس. ويمكن اعتبار مشاركة أهل المدينة في الأسواق العربية، في عكاظ وذي المجاز ومجنة، داخلة في نطاق رحلاتهم الخارجية للتجارة، شأنهم في ذلك شأن سائر العرب في الجاهلية (1). وقد ذكر أن أبا معلق الأنصاري - بعد الهجرة - كان تاجراً يتجر بماله ولغيره، ويضرب في الآفاق (2). كما أن من كبار الصحابة، رجال لم تصدهم مشاغلهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، عن طلق الرزق وابتغاء فضل من الله، بمعالجة التجارة الخارجية، حيث ذكر أن أبا بكر الصديق، خرج في تجارة إلى بصرى، قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم، بعام، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة (3). وكذلك كان يقدم على المدينة، تجار مكة للبيع والشراء (4)، أو ليمتاروا تمراً (15) كما كان يقدم عليهم تجار الشام (6)، وكانوا يحملون الزيت والبر والشعير والتين والقماش وما يكون في الشام (7)، مثل الدقيق والسمن والعسل (8). كما كان يقدم عليهم تجار النبط (9)، وجل تجارتهم الحنطة والزيت (10). وذكر أن أحد تجار فارس، سمع بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخروجه، فخرج بتجارة معه حتى قدم المدينة فأسلم (11). وهذا يدل على أن لتجار فارس، معرفة بالمدينة واتصال تجاري قديم بها. وكان أهم ما يأتي المدينة من البضائع الخارجية، أنواع الثياب، مثل البرود والعمائم، ومصدرها عدن واليمن (12)،…
__________
(1) البخاري: الصحيح، جـ3، ص46، ابن بكار: جمهرة الأنساب، ص367 - 68، الشريف: مكة والمدينة، ص372. (2) ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص182، الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ2، ص28. (3) الخزاعي: الدلالات السمعية، ورقة 201. (4) ابن إسحاق: السيرة، جـ3، ص300. (5) ابن عبد البر: الاستيعاب، (هامش كتاب الأصابة، جـ1)، ص21. (6) الطبري: جامع البيان، جـ3، ص15. (7) الواقدي: فتوح الشام، جـ1، ص4 - 9، ابن حجر، الإصابة، جـ2، ص104. (8) الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ2، ص53. (9) مالك: الموطأ، جـ1، ص281. (10) مالك: نفس المكان. (11) ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص385. (12) ابن سعد: الطبقات، جـ2، ص241، 282، 283، ابن حجر: المصدر السابق جـ1، ص299.

الصفحة 214