كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

215…والخمائص من الشام (1). كما استوردوا العطر من اليمن (2). وقد ازداد رواج التجارة في المدينة، بعد الهجرة، حيث حول معظم المهاجرين تجارتهم إلى المدينة، واستمروا في مزاولة رحلاتهم التجارية بينها وبين الام وبصرى (3). وكانوا يحملون من الشام إلى المدينة، القناديل والزيت والمقسط (4). كما استوردوا من الشام، الأواني الفضية (5)، واستوردوا أيضاً المسك من الهنود، عن طريق دارين، وكانت فرضة على الخليج العربي، وهي المنطقة المعروفة - حينذاك - باسم البحرين. وكان في دارين سوق يحمل إليها مسك من ناحية الهند (6). ولذلك كان العطار، أي بائع العطر، يعرف بالداري، نسبة إلى دارين (7). وقد تميزت قوافلهم بكثرة عدد رجالها. إذ بلغت أحياناً، أربعمائة وخمسين رجلاً (8). مما يدلل به على كبر حجم التجارة الخارجية للمدينة، بعد الهجرة. وقد ذكر أن عبد الرحمن بن عوف، لما هاجر إلى المدينة، قال: دلوني على السوق (9)، حيث اشتغل بالتجارة، فكثر ماله، حتى قدمت له سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق والطعام (10). فأصبحت المدينة بعد هذا الازدهار الكبير، في تجارتها "سوق العرب" تقصد بالبضائع، من الأطراف البعيدة (11). ومن صلات المدينة التجارية بالخارج، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، صلاتها بنجد (12). ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، بعث سعد بن زيد الأنصاري بسبايا من سبايا بني قريظة، إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلاً وسلاحاً (13). وكان يأتي…
__________
(1) مالك: المصدر السابق، جـ1، ص97. والخميصة، كساء رقيق من حرير أو صوف. وقيل ثوب أسود مربع. (انظر: معلوف، لويس: المنجد، ص196). (2) الواقدي: المغازي، ص65 (الطبعة الأولى). (3) الطبري: جامع البيان، جـ7، ص115 - 16، الذهبي: سير أعلام النبلاء، جـ1، ص15 - 21، ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص98، 181، الخزاعي: الدلالات السمعية، ورقة 201 - 202. (4) ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص18. والمقط، بضم الميم والقاف، مفردها المقاط، بكسر الميم، وهو الحبل أياً كان. (انظر: ابن منظور: لسان العربن جـ3، ص512). (5) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص140 - 41. (6) الخزاعي: الدلالات السمعية، ورقة 203. (7) الخزاعي: نفس المكان. دارين: هي اليوم جزيرة صغيرة، قريبة جداً من ساحل مدية القطيف، على الخليج العربي في المملكة العربية السعودية. وتتصل باليابسة بطريق مرصوف، بعد ردم البحر بكتل كبيرة من الأحجار والتراب، وخاصة الأحجار الجيرية. (8) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص124. (9) الذهبي: سير أعلام النبلاء، جـ1، ص50. (10) الذهبي: نفس المكان. (11) الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ2، ص53. (12) ابن إسحاق: السيرة، جـ3، ص725. (13) ابن إسحاق: نفس المكان، ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص28.

الصفحة 215