كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
218…وكان الدينار البيزنطي أو الرومي، عبارة عن قطعة مستديرة من الذهب يحمل على أحد وجهيه صورة الإمبراطور البيزنطي، الذي عاصر سك هذا النقد (1). وقد عاصرت الفترة الإسلامية الأولى، ما كان يعرف بالدنانير الهرقلية وعليها صورة هرقل وحده أو صورته وعلى جانبه ولداه هرقليوناس وقسطنطين، وقد قبض كل منهم على صليب طويل (2). وكان الذي أطلق على هذه الدنانير اسن الهرقلية، هم العرب (3). ويعد ذهب الدينار الهرقلي من أحسن الذهب، وكان شكله بديعاً حسناً (4). ويبدو أن القيمة الشرائية للدينار، كانت قوية جداً، ولذلك ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، اشترى حائطاً لبني النجار، بعشر دنانير ذهباً، دفعها أبو بكر (5). أما بالنسبة للدراهم، وهي من الفضة، فكانت تضرب بأرض العراق وارض المشرق كلها، وهي فارسية، عليها صورة كسرى واسمه فيها مكتوب بالفارسية (6). وهذه الدراهم كانت عبارة عن قطع مستديرة أيضاً (7). على أننا نرجو ألا يفهم مما سبق، أن العرب لم يتدالوا، في الجاهلية نقوداً عربية (8). وذلك أن الحفريات الإثرية، قد أثبتت وجود نقود عربية حميرية مضروبة ومنقوشة (9). وكان تداول هذه النقود العربية، في نطاق ضيق جداً، وبشكل محدود أيضاً (10). وكذك يذكر أن العرب قد تداولوا فيما بينهم قوداً عربية أخرى، من ممالك أطراف الجزيرة العربية، مثل الأنباط والتدمريين، الذين كانت لهم نقود مضوربة ومنقوشة (11). غير أنها كانت مثل سكة حمير، محدودة التداول لقلة ما كان يرد لعرب منها (12). أو لانعدام ثقة العرب في النقودن التي تضرب فيما بينهم. وهو - فيما نرى - السبب الرئيسي لقلة تداول النقود العربية بين العرب، وبالتالي انعدام وجود دور للضرب لديهم، في الجزيرة العربية، قبل الإسلام (13). وقد ظل الأمر كذلك إلى أن أنشأ عمر بن الخطاب، داراً لضرب الدراهم. وكانت مضروبة على…
__________
(1) الحسيني (د. محمد باقر): تطور النقود العربية، ص18. (2) الحسيني: نفس المكان. (3) الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ1، ص416. (4) كاشف: النقود العربية، (بحث نشر في سجل الموسم الأول الثقافي، جامعة الكويت، عام 67/ 1968م)، ص232. (5) المراغي: تحقيق النصرة، ص41. (6) الكتاني: المرجع السابق، جـ1، ص416. وهناك من يرى أن الدرهم ليس لفظاً فارسياً، لأن أصله إغريقي، من لفظة دراخمة. (انظر: الحكيم: الدوحة المشتبكة في ضوابط السكة، ص45، الهامش رقم 1، نفس المكان). (7) الحسيني: المرجع السابق، ص45. (8) الحسيني (د. محمد باقر): العملة الإسلامية في العهد الأتابكي، ص14 - 15. (9) وأقدم النقود العربية، التي وصلت من اليمن، كانت زمن الدولة الحميرية، التي عاشت في الفترة التي ابتدأت منذ سنة 115 ق. م. وهذه النقود الحميرية، التي عثر عليها، قد صور على القديم منها، صورة البومة، ويظن أنه تقليد للدراخما الإغريقية، كما رسم تحت صورة البومة خنجراً ونقش أمام البومة وخلفها اسم الملك ولقبه، ومدينة الضرب والضرب بالخط المسند، وعلى الجهة الثانية من النقد، نقشت صورة رأس إنسان. (انظر: الحسيني: تطور النقود العربية، ص15 - 16). (10) الحسيني: المرجع السابق، ص14 - 15. (11) الحسيني: تطور النقود العربية، ص9 - 11. (12) الحسيني: العملة الإسلامية، ص14 - 15. (13) الشريف: مكة والمدينة، ص375.