كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
223…وقد كان لبعض النساء نشاط مهني يتلاءم مع تقاليد المجتمع ويساير طبيعة المرأة واستعادها، فكان هناك، من النساء، المشاطة، والقابلة، والمرضعة (1). وقيل: إن ممن كان يقم المسجد النبوي، أي يلتقط الخرق والقذى والعيدان منه، امرأة سوداء، أو شاباً، اختلف ارواة في ذلك (2). أما النشاط الحرفي أو الصناعي بصفة عامة، فكان جيداً في المدينة ومؤدياً مهمته لسد حاجات الناس واكتفائهم، وخاصة تلك الصناعات المعتمدة على إنتاج النخيل، مثل صناعة القفاف والحصر ونحوها من الخص (3). وكان صاحب تلك المهنة يدعى بالخواص (4). هذا إلى جانب أنهم كانوا يفتلون الحبال من الصوف والليف (5). كما أن هناك صناعات قائمة على طرق وإذابة المعادن، لسبك الحلي وصنع الأسلحة، مثل القسي والرماح والسيوف ونحوها (6). وربما صنع الصاغة، بعض الأطراف الصناعية للإنسان، مثل الأنف، كانوا يصنعونه من الفضة أو الذهب (7). ولم تحظ حرفة الصياغة، باحترام كبير في المجتمع المدني، لأن الصائغ ربما كثر الكذب والفساد في صنعته، وكان يتعاطاها - في الغالب - أراذل الناس، كاليهود (8). بينما كان الحداد يحظى، بشيء من الاعتبار. ولذلك فإن الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يستنكف من دفع ولده إبراهيم - ين احتاج إلى مرضعة له - إلى أم سيف، زوج قين بالمدينة، يقال له: أبو سيف، وهو حداد من الأنصار (9)، كان يزاول صنعته في بيته (10).…
__________
(1) الخزاعي: المصدر السابق، ورقة 217، 218. (2) الخزاعي: نفس المصدر، ورقة 35. (3) الخزاعي: الدلالات السمعية، ورقة 211، الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ2، ص92، الشريف: مكة والمدينة، ص375 - 76. (4) الكتاني: المرجع السابق، جـ2، ص92. (5) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص491. (6) الواقدي: المغازي، ص138 - 40 (الطبعة الأولى)، الكتاني: المرجع السابق، جـ2، ص63 - 64. (7) ابن خياط: الطبقات، ص44. (8) الواقدي: المصدر السابق، جـ1، ص73 - 75، 176، 179، الكتاني: المرجع السابق، جـ2، ص63 - 64. (9) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ1، ص38 - 39، ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص98. والقين، هو الحداد. والجمع، القيون. (انظر: الخزاعي: الدلالات السمعية، ورقة 209). وقيل القين، العبد، والقينة: الأمة، وهي الجارية. ويقال: تقينت المرأة، أي تزينت. (انظر: الزمخشري: أساس البلاغة، ص531). والقين بصفة عامة، هو الصانع، والقينة هي الأمة، صانعة أو غير صانعة. (انظر: الأسد، د. ناصر الدين: القيان والغناء في العصر الجاهلي، ص20 - 21). (10) ابن الأثير: المصدر السابق، جـ1، ص38 - 39، ابن حجر: المصدر السابق، جـ4، ص98.