كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

230…ظهراني أصحابه في حلقة، يجيب على أسئلتهم ويعلمهم أمور دينهم (1). وكان يقول: "من سئل عن علم فكتمه، ألجمه الله بلجام من نار، يوم القيامة (2) ". ومن الصحابة، من كان يتولى مهمة تعليم المهاجرين، من تلقاء نفسه وباختياره (3). ومما يجدر ذكره هنا، أنه لم يغفل حق المرأة في تلقي العلم، إذ كان للنساء يوم خاص، يتلقين فيه تعاليم دينهن من رسول الله، صلى الله عليه وسلم (4). كما كن يتعلمن في البيوت، على أيدي محارمهن، بأمر رسول الله (5)، صلى الله عليه وسلم. وذكر من المعلمات، اللاتي كن يعلمن النساء الكتابة، الشفاء بنت عبدالله بن عبد شمس الدوية، وأم سليمان بن أبي حثمة (6). ومما سبق نستدل على أن مسؤولية التعليم، كانت مسؤولية عامة، يتحملها جميع المسلمين. وفي هذا يذكر أيضاً، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، خطب في الناس مرة، فأثنى على طوائف من المسلمين خيراً، ولم يثن على جماعة منهم في المدينة لأنهم لم يعلموا، ولم يفقهوا جيراناً لهم من الأعراب نزلوا عليهم (7). وكان أفضل أوقات المسلمين لتلقي العلم من الرسول صلى الله عليه وسلم، وتدارس القرآن، ما عقد اجتماعه في المسجد (8). ولذلك حرصت النساء على حضور صلاة الصبح مع الجماعة، في المسجد النبوي، حتى لا يفوتهن تلقي العلم من الرسول، صلى الله عليه وسلم، مغتنمات انسدال ستور الظلام، حيث ينصرفن متلفعات بمروطهن، ما يعرفن من الغلس (9).…
__________
(1) البخاري: الصحيح، جـ1، ص19 - 20. (2) أبو داوود: السنن، جـ3، ص437. (3) ابن إسحاق: السيرة، جـ4، ص966. ويذكر أن عبادة بن الصامت الخزرجي، كان يعلم أهل الصفة القرآن. (انظر: الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ1، ص40). (4) انظر: الكتاني: نفس المرجع، جـ2، ص235. (5) ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص299. (6) ابن حجر: نفس المصدر، جـ4، ص341، الخزاعي: الدلالات السمعية، ورقة 19 - 20. (7) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص17. ويقال أن المعنيين، جماعة من الأشعريين، كانوا من الفقهاء، ولهم جيران جفاة، من أهل المياه، من الأعراب، نزلوا عليهم ولم يعلموهم. (انظر: الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ1، ص41). (8) مالك: الموطأ، جـ1، ص4 - 5، ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص657. (9) مالك: المصدر السابق، جـ1، ص5. واللفاع، هو ثوب يجلل به الجسد كله، كساء كان أو غيره. وتلفع به، أي اشتمل به. والمروط، جمع مرط، هي اكسية من صوف أو حرير رقيقة وخفيفة مربعةن كانت النساء في ذلك الزمان يأتزرن بها ويتلففن. والغلس هنا، ظلمة آخر الليل يخالطها ظلام الفجر. (انظر: مالك: نفس المصدر، جـ1، ص4 - 5، ابن منظور: لسان العرب، جت2، ص235).

الصفحة 230