كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
231…وقد بلغ من اهتمام الصحابة، في مجال تلقي العلم، أن أصحاب الأشغال والمهن، ممن لم يكن في استطاعتهم ملازمة الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا يسألون إخوانهم من الصحابة، الملازمين له، فيحدثونهم عن كل ما تعلموه (1). وأساس التعليم، هو القرآن الكريم، لاشتماله على تعاليم الإسلام، التي تنظم حياة المسلمين في أمور الدين والدنيا. ولذلك ذكر أن بعضهم كان يقره في ثلاث ليال، وبعضهم كان يختمه في يوم وليلة (2). وقد تعاهد الصحابة القرآن، بالدرس والمذاكرة (3)، واهتموا بمعرفة قراءاته وتفاسيره ومعانيه (4). كما جمعه بعضهم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كعبادة بن الصامت الخزرجي، الذي كان أيضاً يعلم أهل الصفة القرآن (5). وقد كان أحق الناس بالإمامة أقرأهم لكتاب الله (6). وقد اشتهر عدة رجال في الصحابة، بغزارة علمهم، كأبي بن كعب النجاري، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: "يهنك العلم أبا المنذر (7) ". وهو أول من كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر بن الخطاب على علمه يسأل أبيا عن النوازل ويحتكم إليه في المعضلات (8). ويذكر أن لبعض المسلمين، في المدينة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، معرفة جيدة بعلم الأنساب والتاريخ، كابي بكر الصديق، ويعد أعلم الناس بنسب قريش وسائر العرب، وكذلك عقيل بن أبي طالب كان له نفس الاهتمام (9)، وهناك سعد بن مسعود الثقفي وغيرهم (10). ومما ذكر في هذا المجال، أن عقيل بن أبي طالب كان عالماً بأنساب قريش ومآثرها ومثالبها، وكان الناس يأخذون ذلك عنه بمسجد المدينة (11). على أن هذا العلم، لم يكن الإقبال عليه كبيراً. وكان يوصف بأنه علم لا ينفع وجهل لا يضر (12). وبالإضافة إلى ما ذكر، فإن للمسلمين اهتماماً كبيراً بتعلم السباحة والرماية وركوب الخيل (13).…
__________
(1) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص142 - 43. (2) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص544، جـ2، ص38. (3) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص44 - 45. (4) الطبري: جامع البيان، جـ1، ص11 - 29، 35 - 37. (5) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص269. (6) ابن خياط: الطبقات، ص119، النووي: تهذيب الأسماء واللغات، جـ1، ص206. (7) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص20. (8) ابن حجر: نفس المكان. (9) ابن عبد البر: الأنباه على قبائل الرواة، ص43. (10) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص37، جـ4، ص35 - 36. (11) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص494. (12) الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ2، ص230. (13) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص164، الكتاني: المرجع السابق، جـ2، ص314 - 15.