كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

232…
2 - دور الشعر في نشر الدعوة
وردت لفظة الشعر والشعراء في القرآن الكريم في عدة مواضع، معظمها كان رداً على الاتهامات الباطلة التي روجها الكفار الذين يهرتهم فصاحة القرآن وإعجازه، فاعتبروه نوعاً من الشعر (1). وقد حدد الإسلام منهجاً أخلاقياً لدور الشعر والشعراء في الجهاد ضد الظالمين وأعداء المسلمين. وحارب منهج الغاوين ومن تبعهم (2)، لما في منهج الغاوين من انفعالات لا ضابط لها، وأحلام مهومة تشغل أصحابه عن تحقيقها (3). ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لمالك بن عمير السلمي، وكان شاعراً: إن كان ولا بد لك من الشعر فشبب بامرأتك وامدح راحلتك (4). وقد كان دور الشعر والشعراء في التصدي لأعداء الدعوة الإسلامية بارزاً وعظيماً، وذلك بعد أن أصبح للمسلمين قوة واجتماع، بعد هجرتهم إلى المدينة (5)، مما أضفى - ولا شك - على دور الشعر أهمية سياسية ودينية عظيمة أهلت فئة من شعراء الأنصار أن أصبحوا مقربين جداً إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم (6)، ينصرونه بألسنتهم كما نصروه بسلاحهم (7). ويذكر في هذا، أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يضع لحسان بن ثابت الأنصاري، المنبر في المسجد يقوم عليه قائماً يهجو الذين كانوا يهجون النبي (8)، صلى الله عليه وسلم، ويفاخر عنه (9). وكان يقول له: إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما كافحت عن الله عز وجل وعن رسول الله (10)، صلى الله عليه وسلم. ومما يدلل به على قوة تاثير الشعر وأهيمته في تلك الفترة، ما ذكر من أن حسان بن ثابت رمى بأبيات، فبلغ ذلك عبدالله بن الزبعري السهمي، وكان قد هرب إلى نجران بعد فتح مكة فقدم المدينة فاسلم، وكان من أشعر قريش (11). وذكر أيضاً، أن أحد زعماء العرب، جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ابعث معي من يدعو إلىدينك وأنا له جار.…
__________
(1) الأنبياء: 5، يس: 69، الصافات: 36، الطور: 30، الحاقة: 69. وانظر أيضاً: العاني: سامي مكي: دراسات في الأدب الإسلامي، ص25 (بغداد، 1395هـ). (2) قال تعالى: "والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون مالا يفعلون، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون". الشعراء: 224 - 227. (3) قطب، سيد: في ظلال القرآن، جـ19، ص120 (مطبعة الحلبي، ط1). (4) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص351. (5) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص326، ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 10، الأصفهاني: الأغاني، م4، ص153 - 54، العاني: دراسات في الأدب الإسلامي، ص5. (6) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص326، جـ2، ص306. (7) الأصفهاني: المصدر السابق، م4، ص141 - 42. (8) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص326. (9) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ2، ص4. (10) الأصفهاني: الأغاني، م4، ص147. (11) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص308.

الصفحة 232