كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
233…فأرسل معه رجلاً من الأنصار فغدرت به عشيرته فقتلوا الأنصاري. فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذر، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يؤنب أحداً في وجهه. فقال: ادعو لي حسان، فدعي له، فلما رأى الرجل، أنشد أبياناً جعلته يقول: يا محمد أنا عائذ بك من شره، فلو مزج البحر بشعره مزجه (1). ولدور حسان الكبير هذا، في نصرة الدعوة، كان يقال له: "شاعر الرسول (2) ". ويأتي مع حسان في مكافحته، كعب بن مالك الأنصاري، وكانا يعارضان أعداء الإسلام بمثل قول شعرائهم في الوقائع والأيام، ويذكران مثالبهم (3). وكذلك يأتي في صفهما ومنزلهما المرموقة، عبدالله بن رواحة الأنصاري، إلا أنه اختلف عنهما في طرقة معارضته الأعداء الإسلام، فكان يعيرهم بالكفر وعبادة الأنصام (4). وذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، حين دخل مكة، يوم الفتح، كان عبدالله بن رواحة يمشي بين يديه ينشد الشعر توعداً المشركين بالعذاب، وقد أغضب ذلك عمر بن الخطاب وعاب عليه قوله الشعر في حرم الله. إلا أن الرسول (ص). أجابه بقوله: "والذي نفسي بيده، لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل (5) ". ويذكر أنهم لما أسلموا وفقهوا، كان قول عبدالله أشد القول عليهم (6). وقد حفلت أشعار المسلمين بروح جديدة، وبمعاني سامية، تحبب إلى الإسلام وتدو له، وتفتخر برسوله واعتناق دينه (7). ولذلك لم يكن من المستغرب أن تلقى أمثال تلك الأشعار في مجلس الرسول (8) صلى الله عليه وسلم، الذي كان يستحسن بعضها ويبدي إعجابه بها (9).…
__________
(1) ومما قاله حسان (انظر: شحر ديوان حسان، ص266 - 67): يا جار من يغدر بذمة جاره منكم فإن محمداص لم يغدر إن تغدروا فالغدر منكم شيمة والغدر ينبت في أصول السخبر والسخبر: شجر إذا طال تدلت رؤوسه وانحنت. وفي اللسان يقال ركب فلان السخبر. (انظر الأصفهاني: المصدر السابق، م4، ص159). (2) ابن الأثير: المصدر السابق، جـ2، ص4، النووي: تهذيب الأسماء واللغات، جـ1، ص156، ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 9. (3) ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 10. (4) النووي: تهذيب الأسماء واللغات، جـ1، ص157، ابن قدامة: المصدر السابق، ورقة 10. (5) ومما قاله عبدالله بن رواحة: خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله اليوم مضربكم على تنزيله ضرباً يزيل الهام عن مقيله (انظر: ابن قدامة: نفس المصدر، ورقة 22 - 23، باجوده، حسن محمد: ديوان عبدالله بن رواحة، دراسة وتحقيق، ص52 - 53 "القاهرة، 1972م"). (6) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ2، ص5. (7) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص141، جـ3، ص419، جـ4، ص96 - 97، باجودة: المرجع السابق، ص43، وما بعدها. (8) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص424، 481، جـ3، ص296. (9) الأصفهاني: الأغاني، م5، ص3 - 10.