كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
234…
3 - طابع الغناء في المدينة
لم يكن الغناء في المدينة، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، شائعاً ومتقبلاً، مثلماكانت عليه الحال قبل الهجرة (1). فقد كان المعتقد أن بالمدينة - قبل الإسلام - دوراً خاصة بالغناء، وأن القوم قد شغفوا به كثيراً (2). أما على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد اقتصر الغناء على المناسبات المباحة، مثل الأعياد ومناسبات الزواج، حيث رخص لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، في الغناء وقتها (3). ويذكر أن عائشة رضي الله عنها، أهدت عروساً إلى زوجها في قباء، وكان من الأنصار. فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، عائشة: هل أهديت عروسك؟ قالت: نعم. قال: فأرسلت معها بغناء، فإن الأنصار يحبونه؟ قالت: لا. قال: فأدريكها بأرنب (4). وذكر أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم، مر بدار هبار بن الأسود القرشي الأسدي، فسمع غناء، فقالك ما ههذا؟ فقيل: تزوج. فجعل يقول: هذا النكاح لا السفاح (5). والظاهر أن بعض الناس من أهل المدينة، قد احترف ممارسة الغناء، واسترزق عن طرقه (6). ومحترفو الغناء، هم - في الغالب - من الموالي والجواري (7). وقد يصاحب لهوهم بعض الرقصات بالحراب (8). وقد ردد بعض الصحابة شيئاً من الرجز المغنى. حيث ذكر أن البراء بن مالك الأنصاري، كان حسن الصوت، وكان يرجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض أسفاره، كما مر بنا (9). وكان طابع غناء الصحابة، هو الحداء. واختاروا في…
__________
(1) ضيف، د. شوقي: الشعر والغناء في المدينة ومكة لعصر بني أمية، ص58. (2) ضيف، د. شوقي: نفس المكان. (3) ابن خياط: الطبقات، ص105، ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 27، ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص426، الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ2، ص121، 127 - 29. (4) وأرنب هذه، امرأة كانت تغني في المدينة. (انظر: ابن حجر: المصدر السابق، جـ4، ص226). ويظهر أن العروس كانت جارية لعائشة، "رضي الله عنها". (5) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص598. (6) يروي أن عمرو بن قرة، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد كتب عليّ الشقوة وما أراني أرزق إلا من دفي بكفي، فأئذن لي بالغناء من غير فاحشة. فقال: لا آذن لك، ولا كرامة ولا نعمة، ابتغ على نفسك وعيالك حلالاً، فإن ذلك جهاد في سبيل الله، واعلم أن عون الله تعالى مع صالحي التجارة. (انظر: ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص11). (7) الخزاعي: الدلالات السمعية، ورقة 221، الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ2، ص121 - 35، ضيف، د. شوقي: الشعر والغناء في المدينة، ص58 - 63. (8) مسلم: الصحيح، جـ2، ص610. (9) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص143.