كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
241…إحداهن، زنة نواة من ذهب (1). ولم يكن يستحب الزيادة على ذلك (2). ومن مظاهر العرس في المدينة، إقامة الوليمة (3)، وكانت لازمة من غير إسراف (4). وقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم، إملاك رجل من الأنصار، فزوجه وقال: على الخير واللف والطائر الميمون والسعة في الرزق، دففوا على رأسه. فجاءوا بالدف، فضرب به، وأقبلت الأطباق عليها الفاكهة وسكر، فنثر عليه، فكف الناس أيديهم. فقال: مالكم لا تنتهبون؟ قالوا: يا رسول الله، نهيتنا عن النهب. فقال: إنما نهيتكم عن نهبة العسكر، فأما العرسان فلا، فجاذبهم وجاذبوه (5). وقد قامت العلاقة بين الزوج والزوجة، على اللطف والمودة والبعد عن أسباب الشجار، وما يكدر صفو العيش (6). ولم يمنع حصول ذلك اللطف كون الجرل عنده أربع نسوة (7)، فإنهن كن يجتهدن في الطيب ابتغاء مرضاته (8). كما أن الرجل من جانبه، كان يعبر عن عواطفه نحو امرأته، بما لا يخرج عن الحشمة، كأن يدابعها ويقبلها (9). ومع كل ذلك، فإن حياة الأسرة في البيت، كانت بسيطة التكالف، خالية من البذخ والبهرج. وخير مثال على ذلك، أن رأس الأمة ورسولها، صلى الله عليه وسلم، كان ينام على سرير مرمول بشرط ووسادته من جلد محشوة بليف (20). وقد تأثر عمر بن الخطاب - مرة - حين دخل عليه وقد أثر الشريط بجنبه، فبكى عمر، فقال: وما يبكيك؟ قال: يا رسول الله ذكرت كسرى وقيصر يجلسون على سرر الذهب ويلبسون السندس والاستبرق، فقال: أما ترضون أن تكون لكم الآخر ولهم الدنيا (11)؟ وإلى جانب ذلك، كانوا يجلسون على الحصر والبسط والفرش المحشوة بالصوف (12).…
__________
(1) مالك: المصدر السابق، جـ2، ص454، والمراد بالنواة هنا، قيل نواة التمر، وقيل اسم للمقدار من الوزن كان عندهم كما هو عند غيرهم. (انظر: الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ1، ص415). (2) الدولابي: المصدر السابق، جـ1، ص25. (3) مالك: الموطأ، جـ2، ص545، الطبري: جامع البيان، جـ22، ص27. والعرس، بضم العين وسكون الراء، وقيل بضم العين والراء معاً: مهنة الأملاك والبناء. وقيل: يقصد به طعام الملاك والبناء خاصة. (انظر: ابن سيده: المحكم، جـ1، ص297). (4) يروي أن عبد الرحمن بن عوف، حين ساق إلى إحداهن، ليتزوجها، قال له الرسول (ص): أو لم ولو بشاة. (انظر: مالك: المصدر السابق، جـ1، ص545). (5) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص426. (6) الطبري: المصدر السابق، جـ18، ص90. ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص542، 455، (7) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص455. (8) ابن حجر: نفس المكان. (9) مالك: المصدر السابق، جـ1، ص291 - 92. (10) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص466. وقوله مرمول بشرط: من رمل الحصير، نسجه، ورمل السرير، زينه بالجوهر ونحوه. (انظر: مجموعة من المؤلفين: المعجم الوسيط، جـ1، ص375، معلوف: المنجد، ص280). (11) ابن سعد: المصدر السابق، جـ1، ص466. (12) البخاري: الصحيح، جـ1، ص72، ابن سعد: المصدر السابق، جـ1، ص465، ابن الجوزية: زاد المعاد، ورقة 20.