كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

25…
ثانياً: أهمية موقع المدينة الاقتصادي بين الشمال والجنوب
حرص معظم مؤرخي المدينة على الإشارة إلى قدم العمران وسكنى الناس بها (1). كما أجمعوا في كتاباتهم على أن الصراع والتنافس بين سكنها العرب وبين جيرانهم اليهود كان قديماً، واستمر إلى ما قبل الإسلام (2). وقد كانت يثرب، إضافة إلى أنها واحة خصيبة التربة ومن أمهات المراكز الزراعية، فهي واقعة على طريق القوافل التجارية التي تحمل الطيوب بين اليمن والشام (3). وذلك الموقع قد جعل من يثرب مطمعاً للقوى المتنافسة حينذاك. وهو ما كان يحرك روح العداء ويثير الحروب سواء بين العرب واليهود من جهة أو بين الأوس والخزرج أنفسهم. ونتيجة - فيما نرى - لتلك الأهمية السياسية، فقد تمتعت المدينة - قبيل الإسلام - بمركز اقتصادي مرموق في مجالات التجارة والصناعة. فأصبحت بذلك محطة تجارية هامة للتجار العائدين إلى الشام والشرق من الحجاز واليمن (4). ولم يقتصر الأمر في المدينة على ازدهارها التجاري الخارجي. بل إن التجارة الداخلية فيها كانت نشطة ومزدهرة. ودل على ذلك ما ذكر من كثرة أسواقها ومتارجها (5). وكان التعامل فيها كبيراً بين أهلها وبين من يفد عليهم من جيرانهم (6).…
__________
(1) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص159 العدوى: أحوال مكة والمدينة، جـ2، ورقة 111، البتنوني: الرحلة الحجازية (الطبعة الثانية، القاهرة، 1329هـ)، ص252. (2) السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص159، العدوى: المصدر السابق، جـ2، ورقة 111، ابن النجار: الدرة، ص9. (3) ابن إسحاق: السيرة، جـ3، ص788، اليعقوبي: البلدان، ص68، وما بعدها، السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص170 - 171، حتى: تاريخ العرب، جـ1، ص146. (4) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص300، البلاذري: فتوح البلدان. جـ1، ص41 - 42. (5) السمهودي: الوفاء، جـ2، ص747 وما بعدها. (6) أنظر: الشريف: مكة والمدينة، ص365. ويمكن الاستدلال على أهمية النشاط التجاري في المدينة من اهتمام القرآن الكريم بأمر البيع وتنظيمه وسن قوانينه حيث قال تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون". سورة البقرة: 275. والربا: هو الزيادة على الشيء. وكانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني. فيؤخر عنه. (انظر: الطبري: جامع البيان، جـ3، ص101). كما قال تعالى في أمر البيع "ويل للمطففين" فأحسنوا الكيل. (انظر: الطبري: نفس المصدر، جـ30، ص90 - 91).

الصفحة 25