كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
26…ولقد كان من أبرز سمات النشاط التجاري الخارجي للمدينة ما ذكر من أن التجار من الشام وغيرها كانوا يقدمون إلى المدينة لتصريف تجارتهم (1). كما كان تجار المدينة يحملون بضائعهم إلى الشام بواسطة القوافل ويستوردون منها الأقمشة المختلفة (2). وكانت الحدادة والصياغة من أشهر الصناعات في المدينة (3) ويقف إلى جانب ذلك بعض الصناعات الخفيفة وخاصة المعتمدة على مواد النخيل (4). ومما سبق نجد أن المدينة كانت جديرة باختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لها كعاصمة للإسلام ومنطلق لدعاته وسراياه الظافرة. وجاءت تلك الجدارة نتيجة لموقعها الاستراتيجي ولشهرتها الدولية بين الشمال والجنوب كمحطة هامة في الطريق التجاري بين الشام واليمن، إضافة إلى ما تمتعت به من موقع طبيعي حصين ضم تربة خصبة ذات ماء وفير مع شعب تجلت في جوانبه الإيجابية كل عوامل التكامل والتوازن النفسي ممثلاً في اليهود، أصحاب الكتاب والرسالة وقتها، وفي الأوس والخزرج وهم من اليمن أهل الحضارة والعمران. ومع أن تأثير اليهود في الأوس والخزرج، من ناحية العقيدة، كان محدوداً جداً إلا أنهمآمنوا بفكرة ظهور نبي جديد بتأثير منهم، وكانوا أهل كتاب وعلم (5). وقد عبر الأوس والخزرج عن هذا الإيمان حين لقى نفر منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في موسم الحج وهو يعرض نفسه على القبائل طالباً النصرة وإظهار دين الإسلام (6)، ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا (7). فلما قدموا إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم (8)، ثم توالت وفودهم على الرسول صلى الله عليه وسلم في المواسم حتى كان الموسم الثالث حيث وافاه في العقبة ثلاثة وسبعون رجلاً ومعهم امرأتان من نسائهم حيث بايعوه على أن يمنعونه مما يمنعون نساءهم وأبناءهم حين يقدم عليهم المدينة مهاجراً (9).…
__________
(1) ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص44 - 45، 107. (2) الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ2، ص12، الشريف: المرجع السابق، ص271. (3) المطري: العريف، ص19 - 20، الشريف: المرجع السابق، ص376 - 377. (4) مثل صناعة الخوص والحبال، من سعف وألياف النخيل وصناعة الأثاث والأبواب من الجذوع. (انظر: الشريف: نفس المرجع، ص376 - 377). (5) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص292. (6) ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض: يا قوم والله إنه النبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه. (انظر: ابن إسحاق: نفس المكان). (7) ابن إسحاق: نفس المكان. (8) ابن إسحاق: نفس المصدر، جـ2، ص293. (9) ابن إسحاق: نفس الصدر، جـ2، ص294 - 308.