كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

27…ولم يمض وقت كثير على هذه البيعة حتى أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى المدينة وأقام ينتظر أن يؤذن له في الخروج (1). وكان نزول معظم المهاجرين الأوائل في بني عمرو بن عوف بقباء (2). ثم تتابع المهاجرون إلى المدينة ولحق بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بعد - بعد رحلة شاقة ومضنية أعقبها السهل والأهل وترحيب الأوس والخزرج بمن هاجر إليهم. وكان وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في يوم الاثنين اثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول (4)، الموافق الرابع والعشرين من شهر سبتمبر عام ستمائة واثنين وعشرين بعد الميلاد (5). وقد بدأت الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد استقراره وبناء مسجده في المدينة، في تنظيم العلاقات بين السكان حيث كتب كتاباً بين المهاجرين وأهل المدينة وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم (6). وذلك التنظيم يعد خطوة أولية جمعت عناصر السكان في المدينة فيما يشبه الاتحاد العام تحت قيادة واحدة وسياسة موحدة (7). ثم رأى الرسول صلى الله عليه وسلم بتأييد من الله تعالى أن أفضل سبيل لفرض هيبة الإسلام في المدينة ولرفع معنوية المسلمين بين القبائل هو الاتجاه إلى بعث السرايا لاعتراض عير قريش القادمة من الشام واستمالة ما أمكن من القبائل المجاورة إلى صف المدينة بموادعتها ومحالفتها (8). وقد أدت تلك الخطة الحكيمة دورها كاملاً وتوجت أعمالها بالنصر المؤزر على الرغم من قلة أنصار الإسلام حينذاك (9). فكان لذلك أعظم الأثر في تكاثر المهاجرين في المدينة مع توالي انتصارات المسلمين حتى سميت سنة تسع من الهجرة، لما أفتتح الرسول مكة بسنة الوفود، لكثرة من وفد فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من القبائل معلنين الطاعة والولاء (10)، كما تقاطرت على المدينة أعداد كبيرة من شتى القبائل العربية راغبة في الجهاد والهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبح لمعظمهم في المدينة خططاً خاصة بهم (11).…
__________
(1) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص235. (2) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص324. (3) ابن إسحاق: نفس المصدر، جـ2، ص326 - 347، السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص235 وما بعدها. (4) ابن إسحاق: المصدر السابق جـ2، ص341، ابن خياط: تاريخ، جـ1، ص12، ابن سيد الناس: عيون الأثر، جـ1، ص225 (الطبعة الأولى، بيروت، 1977م). (5) Holt, P.M.; Cambridge History of Islam. Vol. 1 (Cambridge, 1970) p. 41. ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص348. (انظر الكتاب في الملاحق). (7) Holt; O.P. Cit vol. 1. P. 41. (8) الواقدي: المغازي، جـ1، ص9، وما بعدها. (طبعة أكسفورد). (9) قال تعالى: "وأذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفك الناس ... الآية". الأنفال: 26. (10) ابن إسحاق: السيرة، جـ4، ص985 وما بعدها. (11) انظر: السمهودي: الوفاء، جـ2، ص757 وما بعدها.

الصفحة 27