كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

3…وقد ساعدت تلك الظروف في يثرب، على سرعة إقبال الأوس والخزرج في دخول الإسلام، حتى فشا فيهم، خلال مدة تقل عن ثلاث سنين. وكانوا خلال تلك الفترة، حريصين على تعلم القرآن والتفقه في الدين. ولذلك جاءت مسارعتهم - في السنة الثالثة عشرة للبعثة - لموافاة الرسول صلى الله عليه وسلم، في الموسم بمكة. وقد عقدوا العزم على مبايعته ودعوته إليهم، مع أصحابه، ينشر دعوة ربه في يثرب، آمنا مطاعا. وعرفت هذه البيعة باسم بيعة العقبة الكبرى، حيث ترتب عليها هجرة الرسول إلى يثرب (المدينة) مع أصحابه، فتكون، نتيجة لهذه الهجرة، أول مجتمع إسلامي متكامل، قائم على أسس الدين الجديد، وتعاليمه ونظمه السامية. ولقد اتفقت - لحسن حظي - آراء أستاذي المشرف الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري، مع ما كان يغشل تفكيري حول أهمية تناول موضوع مجتمع المدينة المنورة، منذ بدء الهجرة النبوية حتى وفاة الرسول (ص). وذلك نابع عن إيمان عميق، بأن هذا الجتمع الإسلامي - في نظمه وخططه - إنما هو صورة صيلة للمجتمعات الإسلامية، التي تشكلت بعد الفتوحات الإسلامية. وأن الاختلاف - إن حصل في بعضها - لا يعد وبعض التغييرات التزويقية، التي لا تمس جوهر الشيء. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإننا نرى، أن معرفة حقيقة التراكم الثقافي والحضاري لدى الشعوب، قد لا يتيسر الحصول عليها ما لم نلم بشيء عن كيفية وطبيعة حدوث هذا التراكم، وعلى وجه الخصوص، معرفة الأساس، وتتبع مراحل تكوينه. ومن هذا المنطلق - آخذين في الاعتبار، أن موضوع البحث، لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي، مختص بدراسة مجتمع المدينة المنورة - خلال العصر النبوي - في نظمه الإدارية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. راجين من الله تعالى، أن يكون في هذا الجهد المتواضع، مساهمة في طريق البحث العلمي الشاق، وأن يكون حلقة متينة مباركة، في سلسلة كتابة التاريخ الإسلامي، على أسس علمية وموضوعية. أما عن الوسائل التي اتبعتها لكتابة هذا البحث، فقد مرت بمراحل ثلاث. الأولى، مرحلة القراءة العامة في نفس الموضوع أو حول ما يمسه، من قريب أو بعيد. والمرحلة الثانية، اقتصرت قراءتي فيها على مواضيع محددة، تخدم صلب البحث وتقويم معلوماته. وكنت في هذه الأثناء، أجمع كل ما أرى أنه مفيد وصالح، مستخدماً جزازات (أفياش)، عملت لهذا الغرض. ولم تكن المرحلة الأخيرة تختلف كثيراً عن سابقتها، اللهم إلا أن قراءتي في هذه الأثناء، كانت عبارة عن عملية نقدية للمعلومات المجمعة، مع حرص على المقارنة بين المصادر.
وكان تركيزي - في البداية - على قراءة كتب السيرة والتراجم والطبقات وأسماء الصحابة. لما في مادتها من ثروة عظيمة، لمعرفة طبيعة المجتمع، من خلال سلوك أفراده وأعمالهم. هذا بالإضافة إلى مطالعتي كتب التاريخ العام،

الصفحة 3