كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

32…وقد تعمدنا تناول هذه النقطة عن معنى لفظ اليهود كتوطئة للحديث عن أصل اليهود في المدينة، وهل هم من بني إسرائيل نسباً أم أنهم عرب تهودوا؟ وما نظن أنه من السهولة بمكان الوصول إلى قرار جازم عن حقيقة قدم وجودهم وأصلهم في المدينة وذلك عائد إلى أن الباحث في هذا المجال لا يملك نصوصاً تاريخية واضحة تخوله أن يتحدث فيه (1)، على أن هذا لا يمنعنا من أن نشير بإيجاز إلى الخلاف في المصادر حول أصل اليهود ومجيئهم إلى يثرب. فقد ذهب بعض المؤرخين المحدثين إلى القول بأن اليهود كانوا في جملة من كان في جيش نبونيد يوم جاء إلى تيماء، فأقاموا بها وبمواضع أخرى من الحجاز بلغت يثرب (2). علماً بأن نبونيد لم يشر في أخباره المدونة إلى وجود يهود في جيشه أو إسكانه لهم في هذه الأرضين (3). وإن صدقت هذه الرواية، فلربما أنهم كانوا قلة ولم يكن دورهم كبيراً في ذلك الجيش. ويذكر أنه عثر على عدد من الكتابات النبطية في الحجر وفي مواضع أخرى من أرض النبط وردت فيها أسماء عبرانية تشير إلى أن أصحابها هم من يهود (4). ويعود بعض تلك الكتابات إلى القرن الأول للميلاد وإلى سنة 307 ميلادية (5). وذلك الوجود للاجئين اليهود في بلاد العرب جعل من الطبيعي أن يتجه بعضهم ممن كان في فلسطين، حوالي القرن الأول الميلادي، إلى أعالي الحجاز وإلى يثرب، بعد ظهور الروم على بلاد الشام وفتكهم بالعبرانيين احتماء ببني عمومتهم، ولأن هذه الديار بعيدة عن متناول الروم (6). هذا إلى جانب أن اليهود كانوا ينظرون إلى العرب، الساكنين شرق الحد العربي Limes Arabicus على أنهم من نسل إسماعيل وإبراهيم، فهم من ذوي رحمهم…
__________
(1) جواد: المفصل، جـ6، ص511. (2) جواد: المفصل، جـ6، ص513. تيماء: بلد في أطراف الشام بين الشام ووادي القرى على طريق حاج الشام ودمشق. وتقع اليوم في الجزء الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية، شمال مدينة العلا، وأرضها خصبة زراعية. انظر: كحالة عمر: جغرافية شبه جزيرة العرب، ص129). وتعد تيماء إحدى المدن القديمة التي لها دور كبير في تاريخ شمال الجزيرة العربية السياسي والاقتصادي وذلك لوقوعها على الطريق التجاري بين الشمال والجنوب. (انظر: الأنصاري، دكتور عبدالرحمن الطيب: لمحات عن بعض المدن القديمة في شمال غربي الجزيرة العربية، بحث نشر في مجلة الدارة، العدد الأول، السنة الأولى، 1395هـ / 1975م، الرياض، ص82). وذكرت بعض النقوش التي اكتشفت حديثاً في حران سنة 1956م أن نبونيد بنى في تيماء مدينة جميلة فيها قصراً شبيهاً بقصره في بابل. (انظر: الأنصاري، د. عبدالرحمن: المرجع السابق، نفس المكان). ونبونيد، أو نابونهيد، هو أحد ملوك بابل. وقد انتقل الحكم إليه بعد تعاقب ثلاثة من أسرة نبوخذ نصر على العرش في مدى سبع سنوات ملؤها التفسخ والقلق، وكان من أسرة كهنوتية، واعتلا العرش عام 555ق. م، وكانت له طموحات سياسية كبيرة فغزا شمال سوريا حتى وصل حماة ووصل إلى غزة جنوباً ثم اتجه إلى واحة تيماء. (انظر: صالح، د. عبدالعزيز: الشرق الأدنى القديم، جـ1، ص560 - 561). (3) جواد: المرجع السابق، جـ6، ص513. (4) Islamic Culture, vol. 111. No. 2 April, 1929, Judaeo - Arabic Relations in pre-Islamic Times, by Josef Horovity, p. 170. اقتبسه جواد علي في كتابه المفصل، جـ6، ص513. الحجر: (بكسر الحاء وسكون الجيم): اسم ديار ثمود وادي القرى بين الشام والمدينة. (انظر: ياقوت: معجم البلدان، جـ2، ص220 - 221). (5) جواد: المرجع السابق، جـ6، ص513. (6) جواد: نفس المرجع، جـ6، ص518، الشريف: مكة والمدينة، ص307.

الصفحة 32