كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

33…ويرجون اعتناقهم ديون إبراهيم جد العرب واليهود (1). ونحب أن نشير هنا، إلى أن بعض الباحثين المحدثين، كانوا يميلون إلى إرجاع صلة اليهود بالعرب، في الحجاز ويثرب، إلى عصور موغلة في القدم، ربما تصل إلى أكثر من ألف عام قبل ميلاد المسيح، أي بعد خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة موسى عليه السلام (2). فقد لقى اليهود - أثناء تقدمهم نحو فلسطين والشام - عامة - مقاومة وعنتا شديد (3). ولتعذر رجوعهم إلى مصر فلربما أن جماعات صغيرة منهم فضلوا اللجوء إلى الحجاز طلبا للأمان والعافية وفراراً مما هم فيه من ضنك العيش وقلة ما لديهم من "القثاء وابطيخ والكراث والبصل والثوم (4) ". وقد ضجوا بشكواهم تلك إلى موسى معبرين بذلك عن جدب سيناء (5). ثم إن منطقة الحجاز ومعظم أجزاء جزيرة العرب كانت في ذلك الحين من أشجر بلاد الله (6). ويذكر بعض المستشرقين أن القبائل العبرية في عام 1255 ق. م، قد توقفت في سيناء والنفود في هجرتها من مصر إلى فلسطين وأن موسى تزوج من امرأة عربية كانت تعبد إلهاً صحراوياً قاسياً يدعى ياهو، وهو الإله الذي دعى "يهوه" فيما بعد (7). وفائدة تلك الرواية أنها تشير صراحة إلى وجود علاقات قديمة على عهد موسى بين اليهود والعرب الذين كان من طبعهم - حينذاك - التنقل طلباً للمرعى، سواء في صحارى الجزيرة العربية أم في صحراء سيناء. وكان ينظر إلى فلسطين على أنها امتداد طبيعي للحجاز وبالتالي كان من الطبيعي اتصال سكان كل منهما بالبلد الآخر (8). والمتتبع لروايات المؤرخين المسلمين عن صلة اليهود بالمدينة يجد أيضاً إشارة إلى توغل هذه الصلة إلى عهد موسى عليه السلام، وهم يرجعون أسبابها إلى عوامل سياسية ودينية أحياناً (9). فمن العوامل السياسية استفحال أمر العماليق، ساكني يثرب والجحفة من أرض الحجاز، وتعدد إغاراتهم على بني إسرائيل في الشام مما جعلهم يضجون بالشكوى إلى موسى، فوجه إليهم جيشاً وأمرهم أن يقتلوهم ولا يبقوا منهم أحداً، ففعلوا وتركوا منهم ابن ملك لهم يقال له الأرقم ثم رجعوا إلى الشام وقد مات موسى، فقالت بنو إسرائيل لهم: قد عصيتم وخالفتم فلا نؤويكم، فقالوا: نرجع إلى البلاد التي غلبنا عليها فنكون بها، فرجعوا إلى يثرب فاستوطنوها وتناسلوا بها (10).…
__________
(1) لاندو: الإسلام والعرب، (الترجمة العربية لمنير بلعبكي، بيروت، 1962م)، ص16، جواد: المرجع السابق، جـ6، ص514 (وانظر الهامش رقم 1، نفس المكان). (2) شنوده: اليهود، ص26 - 29، جواد: الرجع السابق، جـ6، ص511. (3) شنوده: اليهود، ص34. (4) شنوده: نفس المكان. (5) شنوده: نفس المكان. (6) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص159. (7) Landau. R; Islam and the Arabs, p. 13 (London, 1958). وانظر الترجمة العربية لمنير البلعبكي (بيروت 1962م)، ص17. (8) جواد: المفصل، جـ6، ص513. (9) السهيلي: الروض الأنف، جـ2، ص250 - 251، السمهودي: الوفاء، جـ1، ص157. (10) السهيلي: المصدر السابق، جـ2، ص250 - 251.

الصفحة 33