كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
34…أما من أرجع تلك الصلة إلى العامل الديني فيذكر أن موسى لما حج كان معه أناس من بني إسرائيل فلما كان في انصرافهم أتوا على المدينة فرأوا موضعها صفة بلد نبي يجدون وصفه في التوراة، فإنه خاتم النبيين، فاشتورت طائفة منهم على أن يتخلفوا به، فنزلوا في موضع سوق بني قينقاع ثم تآلفت إليهم أناس من العرب فرجعوا على دينهم (1). وإلى جانب ذلك فهناك روايات لبعض مؤرخي الإسلام وغيرهم تذكر أن نزول اليهود في الحجاز إنما كان في أيام نبوخذ نصر أو بختنصر، بعد أن جاء فلسطين فهرب قسم منهم إلى وادي القرى وخيبر وتيماء، ويثرب واستقروا بها إلى مجيء الإسلام (2). وقد وجدت اليهودية لها سبيلاً بين العرب (3)، في حمير وبني كنانة وبني الحارث وكنده (4)، وغسان (5)، وبلى (6)، وفي الأوس والخزرج (7). وبالنسبة للأوس والخزرج فقد ذكر عن تهودهم أن المرأة تكون مقلاتا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده (8). وهذا يشير إلى أن اليهودية لم تكن في الأوس والخزرج بالشكل الكبير مما ينبي عن أن اعتناقها لم يكن عن اقتناع ورغبة. وهذا يحملنا على الاعتقاد بأن نظرة العرب إلى اعتناق الديانة اليهودية كان يشوبه شيء من الجفاء والنفور إلى درجة اعتبار اعتناقها قريناً للهلاك، بمعنى أن المرأة كانت تفضل أن يعيش ولدها حتى وإن كان يهودياً، فهو في رأيها أفضل من موته. ولو أن هذا لا يعدم وجود فئات قليلة بين القبائل العربية دخلت في الدين اليهودي لأغراض سياسية - فيما يبدو - مثل كعب بن الأشرف، وهو من طيء ثم أحد بني نبهان، أتى أبوه المدينة…
__________
(1) السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص157. (2) Bonyy, R., Die Isrealiten zu Mekka, S. 135. اقتبسه جواد علي في كتابه المفصل: جـ6، ص517 - 518. ونبوخذ نصر أو بختنصر: ملك بابلي أرسل جيشاً إلى فلسطين وقتل ملك اليهود وسبى قومه في عام 597ق. م. (انظر: صالح "د. عبدالعزيز": الشرق الأدنى القديم، جـ1، القاهرة، 1977م، ص277). (3) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص359، ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص222، السمهودي: الوفاء، جـ1، ص279 - 280، جواد: المفصل، جـ6، ص514 (انظر الهامش رقم 1، نفس المكان)، رستم: الروم: ص24. (4) ابن قتيبة: المعارف، ص621. (5) البلخي: البدء والتاريخ، جـ4 ص31. (6) السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص162 - 163. (7) الطبري: جامع البيان، جـ3، ص13 - 14. (8) الطبري: نفس المكان. ومقلات: وقيل مقلى، بكسر الميم والصواب ما قاله شعبه بن الحجاد وهو مقلات. واشتقاق المقلات من قلت لا من قلا. (انظر: نفس المصدر، جـ33، ص14، وانظر الهامش رقم 1، نفس المكان). والمقلات أيضاً: ناقة تضع واحداً ثم لا تحمل، وامرأة لا يعيش لها ولد. والجمع مقاليت. (انظر: البستاني: محيط المحيط، مجلد 2، باب القاف مادة قلت، ص1749، وانظر الزمخشري: أساس البلاغة، ص519).