كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
36…هارون ابن عمران عليه السلام (1). ولو أغفلنا ما ذكر من تسلسل في النسب بعد الخزرج بن الصريح لرأينا أنها جميعها أسماء يهودية شملت بطبيعة الحال عدداً من أسماء الأنبياء. ويبدو لنا أن وجود اسم الخزرج في أول النسب إلى جانب أن معظم أسمائهم الأولى كانت عربية (2)، يؤكد قدم صلتهم بالخزرج مكاناً وربما نسباً عربياً وأن انتحال تلك الأسماء اليهودية بعد أسمائهم العربية إنما أريد به إضفاء الأهمية والاحترام عليهم بوصل أنسابهم إلى أنبياء ديانتهم. وقد نسلم بالقول أن اليهود من بني قريظة وبني النضير، وهم حديثو الهجرة إلى يثرب، قد فضلوا اتخاذ الأسماء العربية بعد اختلاطهم بالعرب في يثرب وتأثرهم بهم. إلا أن ذلك القول إن صدق على غيرهم فإنه يصعب أن يصدق على اليهود أو على أي أمة لها كيانها ومبادؤها ودينها. وقد كان اليهود، عند نزولهم يثرب، في أوج قوتهم وسلطانهم (3). ولم يكن للعرب في الجاهلية وقتها أي قوة أو تراث ديني حتى يمكننا القول أنهم فرضوا أسماءهم على اليهود (4)، مثلما حدث - فيما بعد - سواء بالنسبة لليهود أو بالنسبة لغيرهم من الشعوب والأمصار المفتوحة (5). وقد ذكر أن للغة العبرية آثاراً ظاهرة في أسماء الأماكن التي نزلها اليهود في الحجاز مثل وادي بطحان بالمدينة، فإن معناه بالعبرية "الاعتماد"، ووادي مهزور بالمدينة أيضاً معناه "مجرى الماء"، وكذلك لفظ أريس وهو يطلق في اللغة العبرية والأرمية على الفلاح الحارث، وبئر رومه التي اشتراها عثمان بن عفان من يهودي معناها البئر العالية (6). وذلك يؤكد أن للجنس اليهودي القديم في الحجاز، بعض الآثار اللغوية في أسماء الأمكنة التي نزلوها، مما يبرهن به على ما ذكر، عن تأثير الطارئين على البلاد التي يحلون فيها. ومن الأقوال التي ذكرت عن عروبة بني النضير وبني قريظة ما أورده السمهودي من أن قريظة كانوا يزعمون أنهم…
__________
(1) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص161. (2) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص359 - 360، الشريف: مكة والمدينة، ص296 - 297. (3) كستر: احيرة ومكة، ص11، الشريف: مكة والمدينة، ص306، 320. (4) الشريف: نفس المرجع، ص320. (5) بارتولد (فاسيلي فلاديمر): تاريخ الحضارة الإسلامية، (الترجمة العربية لحمزة طاهر، ط3، القاهرة، 1958م)، ص33، بروكلمان (كارل): تاريخ الشعوب الإسلامية، ص93 - 119 وفي أماكن متفرقة. (6) ولفنسون: تاريخ اليهود في بلاد العرب، ص17.