كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
38…ومما يدلل به على عروبة بني قريظة وبني النضير، عدم تقيدهم كثيراً بعادات اليهود، بادعاء نقاء العنصر وتحاشي لمصاهرة مع الشعوب غير اليهودية النسب فإنك ترى في بني قريظة وبني النضير وجود مصاهرات مع قبائل عربية مثل بني ذبيان ابن ثعلبة (1)، وبني تميم (2). وبني نبهان من طيء (3) وكندة (4). ثم إننا نجد أن متهودة العرب يحرصون على الانتساب إلى هاتين القبيلتين اليهوديتين دون غيرها من قبائل اليهود بالمدينة ويعتبرون أنفسهم منهم المصاهرة والانتساب (5)، وهو انجذاب طبيعي اقتضته صلة الدم القوية بينهم كعرب وممارسة نفس التقاليد والأعراف العربية. وقد لاحظ هذا كثير من المؤرخين المسلمين عند ذكرهم لبعض اليهود المنسوبين في بني قريظة مثل عبد الرحمن بن الزبير بن يأطأ قال عنه ابن خياط: إنه ليس من بني إسرائيل (6)، وذلك يؤكد ما ذهبنا إليه آنفاً من أن هناك فرقاً بين اليهود وبني إسرائيل حيث أن لفظ اليهود قد يشير إلى الجنس والديانة معاً بينما اقتصر لفظ بني إسرائيل على الجنس دون غيره. أما بالنسبة لبني قينقاع فيبدو أنهم بقية عناصرة إسرائيلية النسب وأن وجودهم في يثرب يعود إلى ما قبل الميلاد. ونستنتج هذا مما سبق ذكره عن نزول بني إسرائيل في عهد موسى، يثرب على سكانها العرب القدماء من العماليق، أنهم هم المعنيون بأول من سكن المدينة من اليهود، على فرض استبعاد إمكانية تغييرهم لذلك الموضع أولاً لعدم وجود روايات تذكر شيئاً عن انتقال جماعي بهدف تغيير المسكن، وثانياً أن صغر رقعة المدينة المسكونة يجعل من المتعذر حدوث مثل ذلك بسهولة. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إلى بني قينقاع على أنهم أصحاب الكلمة والمعرفة بين يهود المدينة. ولذا فإنه حين رأى أنه من الضروري استمالة اليهود للدخول في الإسلام جمع بني قينقاع بسوقهم ثم قال: يا معشر اليهود، احذروا من اله عز وجل مثل ما نزل بقريش من النقمة واسلموا فإنكم عرفتهم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وفي عهد الله إليكم (8).…
__________
(1) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص222. (2) السهيلي: الروض الأنف، جـ2، ص289. (3) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص359. السمهودي: الوفاء، جـ1، ص270 - 280. (4) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص201. (5) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص359، السهيلي: المصدر السابق، جـ2، ص289، ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص201، 222. (6) الطبقات، ص123. (7) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص157. (8) الطبري: تاريخ، جـ2، ص279، السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص278 - 279.