كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
39…وبنو قينقاع كانوا دون سائر يهود يثرب أصحاب الصناعة والصياغة (1)، وهي نم الحرف التي يأنف منها العرب ويرونها من الحرف الحقيرة (2). وهناك رواية يمكن اعتبارها نصاً على نسبة بني قينقاع إلى بني إسرائيل. وهو ما نجده في حديث مخيريق الذي قيل إنه من بني قينقاع (3)، وكان عالماً وقد أوصى بأمواله للنبي صلى الله عليه وسلم وهي سبع حوائط فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم صدقة (4). وكان مخيريق قد شهد أحد فقتل بها فقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: مخيريق سائق يهود وسلمان سائق فارس وبلال سائق الحبشة (5)، وقيل مخيريق خير يهود (6). والرسول صلى الله عليه وسلم جمع هنا بين أسماء رجال أسلموا، وعرفهم بنسبتهم إلى جنسياتهم ولو كان يقصد الديانة لقال مخيريق سائق اليهود وسلمان سائق المجوس وبلال سائق النصارى. وزقد سبق أن تعرضنا إلى معنى التفريق بين لفظ يهود بدون الألف واللام والتي تعني النسب (7)، واليهود بالألف واللام والتي يحتمل فيها وجهين النسب والدين (8). وقد أورد غير واحد من المؤرخين المسلمين نصاً على أن بني قينقاع هم من ذرية يوسف عليه السلام (9). أما ما قد نجده في بني قينقاع من تشابه في اللغة والعادات مع سائر يهود يثرب فالظاهر أن مرده يعود إلى مجاورتهم الطويلة للقبائل العربية وإلى انقطاع صلتهم ببني جلدتهم في الشام من يهود، حتى أن هؤلاء لم يكنوا يرونهم مثلهم في العقيدة بل رأوا أنهم لم يكونوا يهوداً لأنهم لم يخضعوا لأحكام التلمود (10). والذي نراه أن سبب انعزال يهود يثرب وبعدهم عن بني جلدتهم في الشام بنبذ كثير من تقاليد اليهود، إنما يرجع إلى ظروف هجرتهم إلى الجزيرة العربية، سواء ما كان يرجع تاريخه إلى عهد موسى عليه السلام (11). أو ما كان أيام…
__________
(1) الطبري: المصدر السابق، جـ2، ص481، المطري: التعريف، ص19 - 20. (2) ابن خلدون: تاريخ، جـ1، ص337 (طبعة بولاق، 1284هـ)، جواد: المفصل، جـ6، ص536. (3) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص393. (4) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص393. (5) ابن حجر: نفس المكان. (6) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص363. (7) السهيلي: الروض الأنف، جـ2، ص291. (8) السهيلي: نفس المكان. (9) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص164، ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص320. (10) ولفنسون: تاريخ اليهود، ص13. (11) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص157.