كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

43…زغابه (1). إلا أن يهود يثرب قد بادوا ولم يبق منهم فيها أحد (2). ونزل بنو النضير على وادي مذينيب بالعالية واتخذوا عليه الأموال فكانوا أول من احتفر بالعالية الآبار وغرس الأموال (3). ونزل عليهم بعض قبائل العرب، فكانوا معهم، فاتخذوا الأموال وابتنوا الأطام والمنازل (4). وما ذكره السمهودي من أن بناء الأطام والمنازل في بني النضير إنما كان بعد نزول بعض القبائل العربية عليهم يؤكد عروبة تلك العمارة (5)، خاصة أن معظم من نزل على بني النضير من القبائل العربية كانوا أحياء من اليمن كبني الجذماء وقيل الجذمي (6)، وبني أنيف ومريد من بلى وبني معاوية بن الحارث بن بهثه بن سليم من قيس عيلان (7). وبني ناغصة (8). فمن غير المستبعد أن يكون أولئك العرب النازحين من اليمن قد حملوا معهم طراز عمارتهم إلى يثرب أو علة الأقل طابعها العام. ثم إنه قد ذكر أيضاً أن العماليق كانوا أول من زرع بالمدينة واتخذ بها النخل وعمر بها الدور والآطام قبل نزول اليهود عليهم في مدينة يثرب (9). وذلك يعني أن للعرب في المدينة، معرفة سابقة في بناء الدور والآطام قبل معرفة اليهود الوافدين عليهم. وليس كما حاول بعضهم أن ينسب بناء الآطام في المدينة ومدن الحجاز عامة إلى اليهود، مدعياً أن تلك المناطق كانت غير آهلة بكثير من سكانها العرب وإن جموعهم كانت تنتجعها ثم ترحل عنها (10).…
__________
(1) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص161. (2) السمهودي: نفس المصدر، جـ1، ص165. والمقصود بيثرب هنا ما ذكره المطري بقوله: يثرب اسم أرض ومدينة النبي في ناحية منها. قلت وهي اليوم (يعني عصره أواخر القرن السابع الهجري) معروفة بهذا الاسم وفيها نخيل كثير ملك لأهل المدينة وأوقاف للفقراء وغيرهم. وهي غرب مشهد حمزة بن عبدالمطلب. (انظر: التعريف، ص19). (3) السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص161. ابن رسته: الأعلاق النفيسة، جـ7، ص61. (4) السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص161. (5) مدني (السيد عبيد): أطوم المدينة المنورة، بحث نشر في مجلة كلية الآداب، جامعة الرياض، م3، السنة الثالثة، ص220. (6) ابن رسته: المصدر السابق، جـ7، ص62. (7) السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص162، ابن قتيبة: المعارف، ص85. (8) السمهودي: نفس المصدر، جـ1، ص63. وقد ذكر ابن رسته أن بني ناغصة حي من اليهود. (انظر: المصدر السابق، جـ7، ص62). (9) ياقوت: معجم البلدان، جـ5، ص84. ونحب أن نشير هنا إلى أن هناك تشابهاً كبيراً بين وظيفة الآطام "وهي الحصون والبيوت المرتفعة". (انظر: المعجم الوسيط، جـ1، ص20) في المدينة ووظيفة بعض قصور اليمن. فقد قيل أن للآطام مساطب عالية تشرف على ما حولها ويتنزه من فوقها. إضافة إلى مهمتها الدفاعية لاتقاء غارات من حولهم من الأعداء (انظر: الأنصاري، عبد القدوس: آثار المدينة المنورة، ص64). وبالنسبة لقصور اليمن ذكر أن الحميريين بادروا بحكم الضرورة إلى بناء القصور والمعاقل المنيعة اتقاء غارات البدو. (انظر: حتى: تاريخ العرب، جـ1، ص75). كما استخدمت سطوحها متنزهاً، حيث جعل أعلى بعضها مجالساً بنوها بالرخام. (انظر: ياقوت: المصدر السابق، جـ4، ص210، حتى: المرجع السابق، جـ1، ص75). مثل قصر غمدان في صنعاء الذي يعزى إلى الملك ليشرح بن يحصب (انظر: ياقوت: المصدر السابق، جـ4، ص210). وقد تولى الحكم خلال القرن الأول بعد الميلاد (انظر: حتى: المرجع السابق، جـ1، ص74). وهناك أيضاً بعض الشبه في شكل البناء بين الأطم وبعض قصور اليمن إذ أن كل منها كان على هيئة مربع وله سطح (انظر: حتى: المرجع السابق، جـ1، ص75، مدني، السيد عبيد: أطوم المدينة المنورة: بحث نشر في مجلة كلية الآداب، جامعة الرياض، م3، ص3، ص214). (10) ولفنسون: تاريخ اليهود، ص11، 113 - 117.

الصفحة 43