كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
45…وكانت استجابة الغساسنة بالشام سريعة لنصرة الأوس والخزرج فأرسلوا قوة بقيادة أبي جبيلة إلى يثرب (1) ونزل في سفح جبل أحد وبعث إلى اليهود فقتل منهم ثلاث مائة وخمسين رجلاً صبراً (2). وبالقضاء على رؤساء اليهود ضعف أمرهم وتلاشى نفوذهم حتى صاروا هم الحلفاء للأوس والخزرج (3). وبعد أن يئس اليهود من استعمال القوة ضد الأوس والخزرج عمدوا إلى الحيلة بالدس بين الحيين فكان لهم ما أرادوا فنشبت حروب كثيرة بينهما أضعفت كلاً من الأوس والخزرج معاً (4). حتى كانت وقع بعاث، قبيل الهجرة بخمس سنين (5)، والتي أنهكت تماماً قو الأوس والخزرج فمالوا إلى السلم مجبرين (6). وقد زاد خوف اليهود من هذا الصلح بين الأوس والخزرج فبدأوا يتطلعون إلى ما كانوا يؤمنون به من ظهور نبي، لم يكن في حسبانهم أن يتبعه الأوس والخزرج قبلهم، وهم أصحاب الكتاب، فكانوا يوعدون به الأوس والخزرج وأنهم سوف يتبعونه وينتصرون به عليهم (7). إلا أن سبق الأوس والخزرج إلى نصرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه جعل اليهود يتراجعون عن إيمانهم به أو نصرته. وكان بينهم أفراد آمنوا بمحمد، صلى الله عليه وسلم إيماناً صادقاً لم تشبه مصالح دنيوية أو شخصية كيامين بن يامين (8)، وميمون بن يامين الحبر (9)، وعبد الله بن سلام وكان حبراً عالماً (10) دخل في الإسلام عن إيمان واعتقاد. ولما في قصة إسلامه من تصوير دقيق للعقلية اليهودية، زمن الهجرة وتجسيد لأخلاقياتهم ومتاجرتهم بعقيدتهم وإيمانهم في سبيل مصالح شخصية ودنيوية فسوف نورد نصها بتصرف عن روايات المؤرخين المسلمين. فقد ذكر أن عبدالله بن سلام قال: لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت صفته واسمه وهيئته وزمانه الذي كنا نتوكف له، فكنت بقباء، مسراً بذلك صامتاً عليه حتى قدم رسول الله المدينة. فلما سمعت الخبر كبرت فقالت عمتي حين سمعت تكبيري لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت، قال قلت لها: أي عمه والله هو أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به .. قال: فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا .. وكتمت إسلامي ن يهود وقلت: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت. فإنهم إن يعلموا…
__________
(1) السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص179. (2) السمهودي: نفس المصدر، جـ1، ص182. (3) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص269، 320، السمهودي: الوفاء، جـ1، ص181 - 182. (4) السمهودي: نفس المصدر، جـ1، ص215، 216. (5) السمهودي: نفس المصدر، جـ1، 218. (6) ابن الأثير: الكامل، جـ1، ص417 - 418. (7) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص292. (8) ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص649. (9) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص471. (10) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص360 - 361، ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص649.