كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

46…بذلك بهتوني وعابوني (1).
ولقد أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم طبيعة اليهود هذه. ولذا نجد أنه عند بدء تنظيم مجتمع المدينة الجديد يضع اليهود في مكان مناسب، في محاول لهدايتهم وردهم إلى طريق الإسلام بموادعتهم ومعاهدتهم وإقرارهم على دينهم وأموالهم (2) ولم يطلب منهم أكثر من التزام جانب الحياد في غزواته على أن ينصروه إذا مادهم المدينة عدو (3). ويقول ابن إسحاق في هذا: وإن بينهم النصر على من حارب هل هذه الصحيفة (4). وكان تاريخ هذه الموادعة بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بنحو خمسة أشهر (5). وقد جاء هذا الدستور في شكل كتاب أو صحيفة من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم وأنهم أمة واحدة من دون الناس (6). ولم يحمل هذا الدستور اليهود أعباء مالية أكثر مما قد نسميه ضريبة حماية ينفقوها مع المؤمنين ما داموا محاربين (7)، واعتبروهم أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم (8). وعمل الرسول صلى الله عليه وسلم على استمالة اليهود وتذكيرهم بأن معتقده في الإيمان بالله ورسله لا يختلف عن معتقدهم. فكان أن اتجه في صلاته إلى بيت المقدس، إلى أن حولت القبلة قبل بدر بشهرين إلى الكعبة (9). وقد ذكر الطبري في هذا: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خير أن يوجه وجهه حيث شاء، فاختار بيت المقدس، لكني يتآف أهل الكتاب (10) ". فكانت قبلته ستة عشر شهراً، وهو بذلك يقلب وجهه في السماء، ثم وجهه الله إلى البيت الحرام (11). وهناك آخرون يرون أن استقبال بيت المقدس بعد الهجرة إلى المدينة، إنما كان بأمر من الله لنبيه أن يفعل ذلك (12). وكان بعض…
__________
(1) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص360 - 361، ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص649، 471. (2) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص348. (3) مجهول: في سيرة الرسول، ورقة رقم 12، (مخطوط أوقاف بغداد). (4) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص350. (5) مجهول: المصدر السابق، ورقة 12. (6) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص348. (7) ابن إسحاق: نفس المكان. (8) ابن إسحاق: نفس المصدر، جـ2، ص350. (9) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص241، مالك: الموطأ، جـ1، ص196، ابن الحاج: رفع الخفاء، ورقة 73 - 74، ابن ظهيره: الجامع، ص21 - 22. وقد ذكر أن القبلة صرفت عن الشام إلى الكعبة في رجب على راس سبعة عشر شهراً من مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة. (انظر: الطبري: جامع البيان، جـ2، ص1 - 3). (10) الطبري: نفس المصدر، جـ2، ص4. (11) الطبري: نفس المكان. (12) الطبري: نفس المصدر، جـ2، ص4 - 5.

الصفحة 46