كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

48…
هذا على أن لهم سنداً قوياً هو عبدالله بن أبي (1). إلى جانب ما اشتهروا به من شجاعة بين طوائف اليهود (2). غير أن حنكة الرسول صلى الله عليه وسلم جعلته يسارع إلى حسم الأمر بسرعة وفاجأ بني قينقاع وحاصره وكاد أن يقتلهم جميعاً جزاء خيانتهم ونقضهم العهد والميثاق (3). إلا أن الموقف اقتضى من الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمر بإجلائه إلى الشام فنزلوا أذرعات (4)، حاملين معهم أطفالهم ونساءهم وللرسول صلى الله عليه وسلم أموالهم وسلاحهم (5). وكان الرسول قد نفذ تلك الإجراءات بحق اليهود بعد أن أطلعه الله سبحانه في القرآن الكريم على حقيقة نوايا اليهود بقوله: "إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6) ". حيث ذكر أن هذه الآية نزلت في اليهود الذين كانوا بنواحي المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، توبيخاً لهم في جحودهم نبوة محمد وتكذيبهم به مع علمهم به (7). وقد كرر بنو النضير غلطة بني قينقاع بنقضهم العهد واعتمادهم على عبدالله ابن أبي وهو الرجل الضعيف والمتردد في المدينة فاتبعوا مشورته وتحصنوا في حصونهم على أمل أن يمدهم بألفين من رجاله (8). إلا أنهم أخيراً نزلوا على الجلاء إلى الشام وأن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة إلا السلاح (9). وقد ظنت بنو قريطة أن قوة الأحزاب المحاصرة للمدينة ستكون خير معوان لها على محمد صلى الله عليه وسلم ولذا فقد نقضوا العهد وحالفوا أعداء المسلمين (10). وقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم نقض بني قريظة العهد في هذه الظروف العصيبة خيانة عظمى عقابها الموت يستحقه…
__________
(1) البلاذري: نفس المكان. (2) ابن الحاج: المصدر السابق، ورقة 79. (3) قال تعالى في حق اليهود: "الذين ينقضون عهد الله من بعده ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون". البقرة: 27. وانظر أيضاً (الطبري: المصدر السابق، جـ1، ص182 - 183). (4) البلاذري: الأنساب، ص308 - 309. اذرعات: من بلاد الشام. والتاء مكسورة ويقال لها يذرعات بالياء. (انظر: الحميري: الروض المعطار، ص19، الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص329). (5) ابن الحاج: رفع الخفاء، ورقة 80. (6) البقرة: 6. (7) الطبري: جامع البيان، جـ1، ص108. (8) ابن الحاج: المصدر السابق، ورقة 88. (9) البلاذري: المصدر السابق، ص19، ابن الحاج: المصدر السابق، ورقة 89. (10) الواقدي: المغازي، ص291 - 292، (الطبعة الأولى).

الصفحة 48