كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

49…مقاتلتها السبعمائة والخمسين رجلاً (1). وقد أقى الرسول صلى الله عليه وسلم على النساء والصغار واعتبرهم سبياً للمسلمين (2).
وهذا الإجراء الذي اتخذه الرسول صلى الله عليه وسلم في حق بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع من قتل وإجلاء هو إجراء سياسي وأمني اقتضته ضرورة أمن مجتمع الإسلام في المدينة ولم يكن دافعها تعصب ديني أو عرقي. فقد كفل الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود حريتهم الدينية (3). وعاملهم كأي طبقة في المجتمع ارتبطت مع المسلمين بالمصاهرة أحياناً (4). كما أن ذلك الإجراء لم يشمل بقية العناصر اليهودية في المدينة والتي دخل بعضها في الإسلام أو التي ظل بعضها الآخر على دينه. ولكي تكتمل الصورة في حديثنا عن اليهود كعنصر غير إسلامي في مجتمع المدينة، يجدر بنا تناول تلك العناصر لمعرفة مدى تأثرها بالإسلام ونوعية تأثيرها في المجتمع. وبالنسبة لليهود، كعنصر بارز في مجتمع المدينة أكثر من غيره من العناصر غير الإسلامية نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم، منذ بدء هجرته إلى المدينة عمل على جذب اليهود إلى دين الإسلام، وهم الذين كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج بمحمد قبل بعثته (5). فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبعث إليهم جماعة من المسلمين منهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء وداود بن سلمه، لمجادلتهم بالتي هي أحسن بغية إدخالهم في الإسلام (6). وقد تفاوت اليهود في مدى الاستجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى قيل أنه لم يسلم من بني النضير غير سعد بن وهب وسفيان بن عمير بن وهب (7). وهذه الحالة تصدق أيضاً على بقية طوائف اليهود فالقلة منهم استجابت لدعوة…
__________
(1) الطبري: تاريخ، جـ2، ص488، ابن النجار: الدرة، ص54، ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص538. وكان ابن إسحاق قد ذكر عدد مقاتلة بني قريظة بقوله: المكثر لهم يقول: كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة. (انظر: السيرة، جـ3، ص721). (2) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص201، ابن النجار: المصدر السابق، ص54. (3) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص350، الديار بكرى: تاريخ الخميس، جـ1، ص353. (4) الواقدي: المغازي، جـ1، ص410 - 412، (طبعة أكسفورد). مجهول: في سيرة الرسول، ورقة 2. (5) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص473. وقال تعالى: "ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفورا، فلما جاءهم ما عرفوا، كفروا به". البقرة: 89. (6) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص389، ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص473. (7) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص39.

الصفحة 49