كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
52…الأوس والخزرج من تآلف. فبدأوا يحيكون الدسائس ويبثون بذور الفرقة ما وجدوا لذلك سبيلاً. فمن ذلك قصة شاس بن قيس، وكان يهودياً، مر على نفر من الأوس والخزرج يتحدثون، فغظه ما رأى من تآلفهم بعد العداوة فأمر شاباً معه من يهود أن يجلس بينهم فيذكرهم يوم بعاث (1). وقد كادت أن تشب فتنة عمياء لولا تدارك الرسول صلى الله عليه وسلم، للأمر (2). وقد تطلب وجود هذا العدد من اليهود وغيرهم من المعاهدين في المدينة أن وضح الرسول صلى الله عليه وسلم، معنى العشور بأنها ليس على المسلمين وإنما هي على اليهود والنصارى (3). وهذا الحديث يقودنا إلى ضرورة ذكر شيء مختصر عن العناصر الدينية الأخرى، غير اليهودية، في المدينة.
العناصر الدينية غير اليهودية في المدينة
وفي هذا نشير إلى أن صلة يثرب بالمسيحية، كانت قديمة وترجع إلى الأيام الأولى لانتشارها. فقد ذكر أنه كان يوجد كتابه في حجر على قبر قديم عند جماء أم خالد بالعقيق (4)، تذكر أن مبشراً من قبل عيسى بن مريم، قد أرسل إلى أهل هذه القرية (5)، يعني يثرب. ومن ذلك يظهر أن العناصر غير المسلمة في المدينة لم يقتصر ودودها على اليهود فحسب. إذ يبدو أنه كان يوجد إلى جانب المؤمنين واليهود بعض الصابئة والنصارى والمجوس. وقد جمعتهم آية في قوله تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد (6) ". وإلى جانب ما ذكر عن قدم النصرانية في يثرب، فقد بقى تاثيرها إلى العهد القريب السابق للهجرة (7). فقد ذكر…
__________
(1) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص396، ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص87. (2) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص397، ابن حجر: الأًابة، جـ1، ص87. (3) ابن حجر: نفس المصدر، جـ4، ص16. (4) والجماء المذكورة هي إحدى أربعة أجبل، غربي وادي العقيق. (انظر: المطري: التعريف، ص65 - 66). (5) المطري: نفس المكان. (6) الحج: 17. والصابئون: قوم يعبدون الملائكة ويصلون القبلة ويقرأون الزبور. أما المجوس، فهو قوم يعبدون الشمس والقمر والنيران. (انظر: الطبري: جامع البيان، جـ17، ص129). (7) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص356، ابن قدامه: الاستبصار، ورقة 7 - 8، ابن حجر: الأصابة، جـ2، ص183.