كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

53…إن أبا قيس ابن أبي أنس كان رجلاً قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة واعتزل الحائض من النساء وهم بالنصرانية ثم أمسك حتى قدم رسول الله 0ص)، المدينة فأسلم (1). وللتجار النصارى الذين كانوا يقدمون من الشام بتجارتهم، تاثير كبير في نشر النصرانية بيثرب، وقد استهوت بعض شباب الأوس والخزرج فاعتنقوها (2) ومن هؤلاء شابان من بني سالم بن عوف تنصرا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدما المدينة في نفر من الأنصار بتجارة طعام فأتاهما أبوهما، ويقال له أبو الحصين وطلب منهما أن يسلما فأبيا (3). وقد ساء أبا الحصين أن يتنصر ولداه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر فقال له: لا إكراه في الدين (4). وقد كانت الحجاز، عامة على صلة بالنصرانية عن طريق اليمن في العهد الحبشي (5)، وكذلك عن طريق العلاقات التجارية مع الشام قبيل وبعد البعثة النبوية (6). كما كانت الحيرة مركز تأثير نصراني إلى ما قبيل الإسلام (7). حيث ذكر أنه كان يوجد فيها قبائل شتى من بطون العرب اجتمعوا بها على النصرانية، وكانوا يعرفون بالعباد (8). وقد استمرت صلة التجار النصارى بالمدينة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم بعضهم بالمدينة حين قدومهم بتجارتهم (9). ويوجد في المدينة، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بعض النصارى، بقوا على دينهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، قد عرض على بعضهم الإسلام ولم يفرضه، فإن أبوا قسمت أموالهم نصفين وتركت لهم حريتهم الدينية (10)، وذلك - فيما يبدو - كان جرياً على النصارى المقيمين في المدينة وقد حدث جعدة بن هاني الحضرمي "أن النبي بعثه إلى رجل نصراني بالمدينة يدعوه إلى الإسلام، وقال له: فإن أبى أقسم ماله نصفين (11) ". وظل بعض هؤلاء متردداً بين الإسلام والنصرانية ثم أسلموا على عهد أبي بكر (12).…
__________
(1) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص356، ابن قدامة: المصدر السابق، ورقة 7 - 8، ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص183. (2) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص340 - 341، جـ4، ص44. (3) ابن حجر: نفس المكان. (4) الطبري: المصدر السابق، جـ3، ص14 - 16. ابن حجر: المصدر السابق، جـ4، ص44. (5) ابن حجر: الأصابة، جـ3، ص512. (6) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص503 - 504. (7) الدوري: مقدمة في تاريخ صدر الإسلام، ص34 - 36، سالم (د. السيد عبدالعزيز): دراسات في تاريخ العرب، جـ1، ص655. (8) ابن دريد: الاشتقاق، ص11، (القاهرة، 1958م). (9) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص467. (10) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص236. (11) ابن حجر: نفس المكان. (12) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص298 - 300.

الصفحة 53