كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

57…ومع أن الغموض يكتنف أسباب وتاريخ هجرة الأوس والخزرج إلى يثرب إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة هجرتهم، والتي ميل إلى إرجاع زمنها إلى الفترة الواقعة ما بين القرنين الرابع والخامس الميلاديين. على اعتبار أن هجرتهم إلى يثرب كانت بعد هجرة بني قريظة وبني النضير (1). وقد سبق أن ذكرنا ذلك خلال البحث بأن هجرتهم إلى يثرب قد تمت خلال تلك الفترة (2). وربما كان ذلك في الفترة التي بين عيسى ومحمد عليهما السلام حوالي القرن الرابع الميلادي وهو ما ذكره السمهودي (3). والذي يبدو، أن معرفة الأوس والخزرج بيثرب، كانت قديمة وسابقة لهجرتهم. وكان اختيارهم لهذه البقعة الحرية التربة، ذات النخل المطعمات في المحل (4). لأنهم أصحاب خبرة قديمة بشؤون الزراعة. وقد لاقى هذا الاختيار - ولا ريب - قبولاً ورضى من سكانها اليهود والعرب، ولذلك نجد أن الأوس والخزرج عاملوا اليهود زماناً فصار لهم مالاً وعدداً (5). كما أنه عمل على إيجاد تكامل اقتصادي في يثرب، كان عماه الصناعة والتجارة المحلية في أيدي معظم اليهود (6)، والزراعة وتربية المواشي في أيدي الأوس والخزرج الذين جربوا أيضاً حياة الترحل وتتبع القطر فلم تتفق واستعدادهم وما اعتادوا عليه (7). علما بأنه كان لليهود أيضاً معرفة بشئون الزراعة الخاصة، بمعنى أن لكل عائلة تقريباً حائطاً أو نخلاً يعملون فيه بأنفسهم لسد حاجاتهم اليومية (8). ولذا نجد أن لديهم يوم الخندق آلة كثيرة من مساحي وكرازين ومكاتل. وقد استعارها المسلمون للحفر في الخندق (9). وكان اليهود يشعرون في قرارة أنفسهم بأنهم الأعز والأكثر (10). وقد وعى الأوس والخزرج - من جانبهم - تلك الحقيقة فسالموا اليهود بادئ الأمر وقبلوا معاملتهم وسألوهم أن يعقدوا فيما بينهم جواراً وحلفاً يأمن به بعضهم من بعض ويمتنعون به ممن سواهم (11). وقد ساعد هذا الحلف الأوس والخزرج على أن يوجهوا جل اهتمامهم إلى مجالات…
__________
(1) العدوى: أحوال مكة والمدينة، جـ2، ورقة 112 - 113، ابن الأثير: المصدر السابق،، جـ1، ص401. (2) اليعقوبي: تاريخ، جـ2، ص49، 52، جواد: المفصل، جـ3، ص360 - 68. (3) المصدر السابق، جـ1، ص166. (4) السمهودي: نفس المصدر، جـ1، ص171، العدوى: المصدر السابق، جـ2، ورقة 113. (5) العدوى: أحوال مكة والمدينة، جـ2، ورقة 113. (6) المطري: التعريف، ص19 - 20، العدوى: المصدر السابق، جـ2، ورقة 113. (7) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص172، العدوى: المصدر السابق، جـ2، ورقة 113. (8) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص361. (9) الواقدي: المغازي، جـ2، ص445، (طبعة أكسفورد، 1966م)، المقريزي: امتاع الأسماع، جـ1، ص220. (10) العدوي: المصدر السابق، جـ2، ورقة 113. (11) العدوي: نفس المكان.

الصفحة 57