كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

61…وكان أول معرفة للأوس والخزرج بحقيقة ظهور نبي في مكة يدعو الناس إلى الإسلام. يرجع إلى العام الأول الذي سبق يوم بعاث، أي قبل الهجرة بخمس سنوات (1). حيث بدأ في تلك الفترة اتصال الرسول صلى الله عليه وسلم ببعض رجال الأوس والخزرج الذين كانوا يفدون إلى مكة إما حجاجاً أو معتمرين أو التماساً لحلف من قريش (2). وأول اتصال كان مع سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف، قدم مكة حاجاً أو معتمراً، وكان يسميه قومه فيهم الكامل لسنه وجلده وشعره، فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاه إلى الإسلام (3). فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتلته الخزرج يوم بعاث، فكان رجال من قومه يقولون: إنا لنرى أنه قتل وهو مسلم (4). ثم قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر لهم الإسلام وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بعاث ثم لم يلبث إياس أن مات وكانوا لا يشكون أنه مات مسلماً (5). وقيل قتل قبل يوم بعاث (6). ومع أن ذلك الاتصال لم يثمر إلا عن إسلام اثنين من الأوس، إلا أنه هيأ الأذهان والنفوس لأن يكون أهل يثرب من العرب أول من احتضن الإسلام وعمل على نصرته فيما بعد (7). وفي هذا يذكر أن أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد القيس كانا أول من قدم بالإسلام بالمدينة، وكانا قد خرجا إلى مكة يتنافران إلى عتبة بن ربيعة فسمعا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأتياه فعرض عليهما الإسلام وقرأ عليهما القرآن فأسلما ولم يقربا عتبة ورجعا إلى المدينة (8). وهناك عوامل عدة ساعدت على جعل الأوس والخزرج أول من تفهم حقيقة دعوة الإسلام وعمل على مؤازرتها. ومن تلك العوامل ما حل بالأوس واللخزرج من ضعف وافتراق بعد يوم بعاث، الذي قضى على كثير من…
__________
(1) الذهبي: تاريخ، جـ1، ص170 - 171، الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ1، ص306، ابن الحاج: رفع الخفاء، ورقة 64. (2) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص289، الذهبي: المصدر السابق، جـ1، ص289، الذهبي: المصدر السابق، جـ1، ص170 - 171. (3) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص289 - 290، الذهبي: المصدر السابق، جـ1، ص170،171. (4) الذهبي: نفس المكان. (5) الذهبي: نفس المكان. وقد ذكر في الاستيعاب أبو الخنيس بدلاً من أبي الحيسر. (انظر: ابن عبد البر، هامش كتاب الإصابة، جـ1، ص103)، وقيل أنه أبو الجيش، أنس بن رافع. (انظر: الطبري: جامع البيان، جـ4، ص34). وهو تصحيف ظاهر، ومن غير المستبعد أن يكون في هذا التعدد شيء من الصحة لاحتمال أن ما ذكر هو فعلاً أسماء متعددة لأبنائه. (6) ابن إسحاق: المصدر السابق. جـ2، ص291. (7) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص292، الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ1، ص306. (8) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ1، ص71.

الصفحة 61