كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

63…إليهم ليدعو قومهم إلى أمر الله وإلى الإسلام (1). وقد سبق أن عرفنا قدم العلاقات الطيبة بين قريش، قبيلة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وبين الأوس. وذلك لما قدم أبو الحيسر مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج (2). ولذا فإن الأوس مهيأون أكثر من غيرهم من الخزرج لمحالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، على اعتبار أنهم أسبق من الخزرج في الاتصال بالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ومعرفة حقيقة دعوته. على أن عامل التنافس ذلك لم يكن مجرداً في نفوسهم بل إن هناك عوامل دينية وقومية كانت تدفعه وتذكيه. ولهذا فإن الخزرج حين تشاوروا فيما بينهم قال بعضهم لبعض: تعلمون أنه النبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه (3). فهم بهذا مؤمنون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ومصدقون ببعثته. ثم إنهم قالوا للرسول محمد (ص): إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك. ثم انصرفوا إلى بلادهم ليدعوا قومهم وقد آمنوا وصدقوا (4). وهم بهذا يؤكدون غيرتهم القومية ورغبتهم في عودة الصفاء بينهم على دين الإسلام. كما يظهرون حاجتهم إلى رجل يقتحم الخصام الذي قسمهم إلى معسكرين، ويقضي على الفوضى السائدة بينهم خصوصاً وأنه كان رجلاً حيادياً لم يغمس بالخصومة المحلية القائمة بينهم (5). وقد كان من ثمار تلك الدعوة أنه لم يبق دار من دور قومهم إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم (6). فلما كان العام المقبل وافى الموسم من الأوس والخزرج اثنا عشر رجلاً فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالعقبة، وهي البيعة الأولى (7)، أو بيعة…
__________
(1) الذهبي: تاريخ، جـ1، ض172. (2) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص291، ابن الأثير: الكامل، جـ1، ص415، الذهبي: المصدر السابق، جـ1، ص172، (3) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص292، الذهبي: المصدر السابق، جـ1، ص172، السمهودي: الوفاء، جـ1، ص222. (4) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص292، السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص222. (5) فلهاوزن: الدولة العربية (الترجمة العربية للدكتور يوسف العش، دمشق، 1376هـ - 1956م)، ص13 - 14. (6) ابن كثير: البداية والنهاية، جـ3، ص159، الذهبي: تاريخ، جـ1، ص172، أبو القاسم: المبعث والمغازي، ورقة 56. (7) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص294، ابن عبد البر: الاستيعاب، (هامش كتاب الإصابة، جـ1)، ص83 - 84، الذهبي: المصدر السابق، جـ1، ص172.

الصفحة 63