كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

67…جرماً يستحق عليه ربط نفسه في سارية من سواري المسجد حتى يكفر عن ذنبه (1). وحتى صغارهم كانوا يعملون ما استطاعوا علمه، حتى يبدو كباراً ويجيزهم رسول الله في الغزوات إذ كان يرد من استصغر إلا من كان رامياً (2)، أو كان قوي البنية مصارعاً (3). وكانوا يتحببون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالهدايا رجالهم ونساؤهم، وكانت أم سليم، إمرأة من الأنصار، تتأسف على ذلك وما كان لها شيء، فجاءت بابنها أنس بن مالك وقالت: يخدمك أنس يا رسول الله (4). وكأي مجتمع فيه الخير والشر وجد بين الأوس والخزرج ومعهم نفر من العرب (5)، جماعة عرفوا بالمنافقين (6). وهم من أظهر الإسلام تقية، وكان رأسهم عبدالله بن أبي بن سلول الخزرجي (7). وقد وصفهم الله بقوله تعالى: "وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية (8) ". ولم يكن هوى المنافقين وكلمتهم مع المسلمين فكانوا يكيدون لهم ما وسعهم الكيد (9). وقد احتمل الرسول كل ما يصدر عنهم من إيذاء وعاملهم في الظاهر معاملة المسلمين (10). ولم يسمع نصيحة من قال: ألا تقتلهم؟ لأن وجهة نظر الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تستهجن أن يتحدث الناس بأن محمداً يقتل أصحابه (11). وهي وجهة نظر يتجلى فيها عمق التفكير وبعد النظر. فإذا لم يكن للمرء أن يقتل أصحابه خشية حديث الناس. فكيف يكون عليه الأمر إذا كان المقتولون أهله وبني عمومته؟ ولهذا فقد دارى الأنصار ولم يقتل من المنافقين أحد لأن فيهم الكثيرين منأبنائهم وآبائهم (12).…
__________
(1) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص631، (2) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص70. (3) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص78، 79. (4) مجهول: في سيرة الرسول، ورقة 9، الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ1، ص350، المقريزي: امتاع الأسماع، جـ1، ص47. (5) قال تعالى: "وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم" براءة: 101. ومردوا على النفاق، أقاموا عليه لم يتوبوا كما تاب الآخرون. (انظر: الطبري: جامع البيان، جـ11، ص9، جـ26، ص76 - 77، ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص373، ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص357، جـ2، ص316). (6) قال تعالى: "وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا". الأحزاب: 12. وانظر أيضا: ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص373 وما بعدها. (7) ابن الحاج: رفع الخفاء، ورقة 72، (8) آل عمران: 154. وانظر أيضاً: الطبري: المصدر السابق، جـ4، ص139 - 140. (9) قال تعالى: "إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط". آل عمران: 120. (10) ابن الحاج: المصدر السابق، ورقة 72. (11) ابن الحاج: نفس المكان. (12) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، 150، 564 - 565، جـ2، ص366.

الصفحة 67