كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

69…وبإمكاننا أن نتعرف على مدى إيمانهم وشكهم من قول أحدهم (حصين بن نمير الأنصاري)، لما أغار على تمر لصدقة فسرقه فقال له الرسول (ص): ويحك ما حملك على هذا؟ قال: حملني عليه أني ظننت أن الله لا يطلعك عليه فأما إذا أطلعك الله عليه وعلمته فإني أشهد اليوم أنك رسول الله. وإني لم أؤمن بك قط قبل هذه الساعة يقيناً (1). وقد قام المنافقون إرضاء لعصبيتهم الوطنية والقبلية الجاهلية، ببناء مسجد عرف بمسجد الضرار مضاهاة لمسجد بن عمرو بن عوف بقباء ولمسجد رسول الله (2)، وكانوا يجتمعون فيه ويعيبون النبي صلى الله عليه وسلم، ويستهزئون (3). وكان الذي بناه اثنا عشر رجلاً هم: خدام بن خالد من بني عبيد بن زيد، وثعلبة بن حاطب من بني أمية بن زيد ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد أبو حبيبة بن الأذعر وعباد بن خيف من بني عمرو بن عوف وجابر بن عامر وابناه مجمع وزيد، وفتيل بن الحارث ومخرج ومجاد بن عثمان سبعتهم من بني ضبيعة، ووديعة بن ثابت من بني أمية بن زيد (4). وكان المنافقون يشتركون مع المسلمين في الغزوات، إنما كان دافعهم هو المغانم والأسلاب. ولذا قال أحدهم يوم الخندق (مغيث بن بشير): أوعدنا محمد أن يفتح قصور فارس والروم واليمن ولا يتبرز أحدنا إلى الخلاء من رحله، والله لغرور. وتابعه على ذلك رهط من المنافقين (5). وظل الرسول صلى الله عليه وسلم، يتبع مع المنافقين سياسة المداراة واللين فكان أن آمن معظمهم وأعلن توبته (6). وكان الله تعالى قد أطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على أسرارهم وعرفه إياهم في سورة براءة (7). ومن خلال تتبعنا بالدراسة في كتب التراجم كابن حجر (الإصابة وابن قدامة (الاستبصار) لتراجم الصحابة من الأنصار، تجلت لنا ميزة انفرد بها الأنصار أكثر من غيرهم، وتلك اتجاههم لطلب العلم وحرصهم على التفقه في الدين. وهي ميزة جبلوا عليه نتيجة معايشتهم الطويلة لليهود، أصحاب العلم والكتاب، ورغبتهم الصادقة أن يتفوقوا عليهم ويبذوهم في ذلك. وقد بدأت هذه الرغبة في طلب العلم والتفقه في الدين منذ أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة حين طلبوا…
__________
(1) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص339. (2) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص366، السمهودي: الوفاء، جـ3، ص815 - 819. (3) السمهودي: نفس المكان. (4) السمهودي: الوفاء، جـ3، ص816 - 817. (5) ابن إسحاق: السيرة، جـ3، ص706، الواقدي: المغازي، ص291 (الطبعة الأولى). (6) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص491، جـ3، ص549. (7) انظر: الطبري: جامع البيان، جـ26، ص60.

الصفحة 69