كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

71…وكان عبدالله بن رواحة الأنصاري، الشاعر المشهور، يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وشهد كثيراً من الغزوات وبعثه الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثين راكباً إلى خيبر، وكان نعم الرجل (1). كما بعث بشير بن سعد الأنصاري إلى فدك في سرية (2). واشتهر بعضهم بشجاعته وإقدامه وقت القتال (3). ولقد حذق الأنصار فنون الحرب وآلتها، وأدرك الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الموهبة وقدرها فيهم (4). كما كان لهم أيضاً معرفة بالطرق كأدلاء في مواقع القتال وغيرها (5). وتكملة لحديثنا عن الأنصار، سنتحدث عن حلفائهم من العرب فهم يعتبرون أفراداً من الأوس والخزرج بالحلف (6). وأصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق على أن يكون الأمر واحد بالوفاء (7). وهو علاقة اجتماعية قل أن ترفضه قبيلة ما لأنه يعبر عن قوتها. فطالب الحلف كثيراً ما كان قد أصاب دماً في قبيلته فهرب إلى القبيلة الأخرى يطلب حلفها وحمايتها (8). كما أن الحلف يعبر عن قوة القبيلة ويظهر استقلالها. فقد قيل أن حارثة الأوقص كان رجلاً متعبداً يطوف حول بيت فيه صنم لهم. فقيل له إن بيتاً بمكة يتعبد له أهله وكل من جاء من العرب. قال: فهو أولى من هذا البيت لأخردن إليه. قالوا: إنك لا تستطيع أن تقيم به إلا أن تحلف أهله، فخرج حتى قدم فحالف أمية بن عبد شمس (9). وقد يسمى الحليف باسم حلفائه كما حصل لوالد حذيفة بن اليمان العبسي كان قد أصاب دماً، فهرب إلى المدينة، فحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان لكونه حالف الأوس وهم من اليمن (10). وقد تكون المصاهرة خارج القبيلة، إحدى دواعي المحالفة، كما هو الحال لدى سمرة بن جندب بن هلال الفزاري قدمت به أمه بعد موت أبيه فتزوجها رجل من الأنصار فصار حليفاً لهم (11).…
__________
(1) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص306 - 307. (2) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، صذ58. (3) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ1، ص172. (4) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص244 - 245. (5) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص86. (6) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص317. والحلف: بكسر الحاء وبفتحها أحياناً: القسم. يقال: حلف يحلف حلفاً وحلفاً ومحلوفاً والحلف بالكسر: العهد يكون بي القوم لأنه لا يعقد إلا بالحلف والجمع أحلاف، وقد حالفه محالفة وحلافاً وهو حلفه وحليفة. أي عاهدة، وتحالفوا: تعاهوا. وحالف الرجل بين جماعتين آخى بينهم. (انظر: ابن سيدة: المحكم، جـ3، ص260 - 261، ابن منظور لسان العرب، جـ9، ص53، طبعة دار صادر، بيروت). (7) ابن منظور: لسان العرب، جـ9، ص53 - 54. (8) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص317. (9) ابن حبيب: المنمق، ص285. (10) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص317. (11) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص78.

الصفحة 71