كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
73…
3 - الموالي والعبيد
يشكل الموالي في مجتمع المدينة في العهد النبوي، طبقة اجتماعية كبيرة (1). وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا معشر الموالي شراركم من تزوج في العرب (2). ونحن وإن كنا لا نجزم بصحة ذلك الحديث أو ضعفه، إلا أنه يعطي فكرة واضحة عن تميز طبقة الموالي في مجتمع المدينة. وأن غالبيتهم كانت من غير العرب. كما أنه - في نظرنا - لا يخرج عن كونه تنظيماً اجتماعياً اقتضته ظروف تلك الفترة، ولسد أبواب الذرائع، فهو لا يحمل معنى النهي بداعي العصبية أو العنصرية. فقد قيل للرسول (ص): إن فلاناً المولى تزوج في الأنصار. فقال: أرضيت؟ قال: نعم، فأجازه (3). كما أن القرآن الكريم كان يؤكد على انعدام الطبقية في المجتمع المسلم بمعناها البشع ومفهومها الضيق العام (4). على أن ذلك لا يعني عدم وجود فئات في المجتمع الإسلامي لم تقف أمام تلك المساواة محاربة لها. فقد ذكر أن الأقرع بن حابس التميمي، وعيينه بن حصن الفزازي وغيرهم جاءوا فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال الحبشي وصهيب الرومي وعمار بن خباب في أناس من ضعفاء المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا العرب به فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك، فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد (5).
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد خطب زينب بنت جحش ابنة عمته، لزيد بن حارثة، وهو مولى فاستنكفت منه وقالت: أنا خير منه حسباً (6). ووجود الموالي في مجتمع المدينة كان ضرورة اجتماعية لا غنى عنها (7)، للاعتماد الكبير عليهم لقيامهم بكثير من الأعمال والخدمات التي يصعب على المجاهدين القيام بها لانشغالهم بأمر الغزوات ونشر الإسلام (8). على أن هناك من الموالي من شارك في كثير من الغزوات وأظهر براعة فائقة في القتال بين يدي رسول الله (9) (ص). وقد شهد منهم…
__________
(1) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص454. (2) ابن حجر: نفس المكان. (3) ابن حجر: نفس المكان. (4) قال تعالى: "وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة"، الأنعام: 98. وروى أن السرول صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه". (انظر: الدولابي: الكني والأسماء، جـ1، ص25. (5) الطبري: جامع البيان، جـ7، ص201. (6) الطبري: نفس المصدر، جـ22، ص11 - 12. (7) ابن حجر: الألإصابة، جـ1، ص75، جـ2، ص58. (8) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص231 - 362. ويذكر أن الاعتماد على الموالي قبل الإسلام كان كبيراً جداً وقد أولكت إليهم أعمالاً متنوعة حتى ليكاد يخيل للباحث في ذلك العصر أن الرقيق هم قوام العمل في الحياة الجاهلية، وهو ما رآه بعضهم. (انظر: الأسد، د. ناصر الدين: القيان والغناء في العصر الجاهلي، ص33). (9) الواقدي: المغازي، ص204، (الطبعة الأولى)، ابن الأثير: أسد الغابة، جـ1، ص76.