كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
78…وكان الموالي يزاولون بعض المهن والحرف الوضيعة والتي كان العربي يأنف أن يقوم بها (1). وكانت الحجامة إحدى تلك الحرف (2). وقد حجم أبو ظبية، مولى بني بياضة، رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له بصاعين من طعام وكلم بني بياضة أن يخففوا عنه من ضريبته (3). وزاول بعض الموالي حرفاً خفيفاً كعمل السيوف (4)، وبري النال (5). وقد نسب كثير من الموالي إلى مهنته أو حفته مثل يحنس النبال (6)، ومحرز بن القصاب (7)، وأبى رافع الصائغ (8)، وميثم التمار (9)، وسعد القرظ، كان يتجر في القرظ (10)، وإبراهيم النجار (11). ولم يكن للموالي تاثير كبير في المجتمع المدني خلال العهد النبوي، سوى ما نجده في استحباب خدمة المخصيين في البيوت بين النساء (12)، وقد جلبت تلك العادة - كما يبدو - من مصر وشاعت في المدينة. إذ كان المقوقس قد أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وكان معها مخصياً يدخل عليها ويحدثها ويخدمها (13). ومما يبدو لنا أن سبب استحباب خدمة المخصيين في مجتمع المدينة وقلة استخدام الجواري أو القيان في البيوت، مع أنهن كن عماد الخدمة في المنازل قبل الإسلام (14)، يرجع إلى الرغبة في تقليص مهمتهن تلك، سداً لأبواب الفساد التي قد تنشأن نتيجة وجودهن بين الرجال. فقد ذكر أن من سنتهم في الجاهلية أنهم كانوا يكسبون بفروج إمائهم.…
__________
(1) ابن خلدون: تاريخ، جـ1، ص337 (طبعة بولاق، 1284هـ). (2) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص444. ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص347 - 348. (3) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص444. (4) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص416. (5) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص649. (6) ابن حجر: نفس المكان. (7) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص486. (8) ابن حجر: نفس المصدر، جـ4، ص74. (9) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص504. (10) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص29. والقرظ: بالتحريك، وآخره ظاء معجمة، هو ورق شجر يقال له السلم، يدبغ به الأدم، أي الجلود. (انظر: ياقوت: معجم البلدان، جـ4، ص325، مادة قرط، المعجم الوسيط، جـ2، ص734). (11) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص16. (12) مالك: الموطأ، جـ2، ص767. (13) البلاذري: الأنساب، جـ1، ص448 - 340، الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ2، ص38. (14) الأسد (د. ناصر الدين): القيان والغناء في العصر الجاهلي، ص40 - 43.