كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
79…وكان لبعضهم راية منصوبة في أسواق العرب فيأتيها الناس فيفجرون بها (1). وذكر أيضاً إنه كان لكلب في سوق دومة الجندل قن كثير في بيوت أو حوانيت من شعر، وكانوا يكرهون فتياتهم على البغاء (2). كما ذكر أن عبدالله ابن أبي كان يملك جارتين وكان يكرهن على البغاء ولذلك أنزل الله تعالى قوله: "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا، ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم" (3). وقد كان لوجود الموالي في المدينة بعض التأثير في مجال الغناء. فقد كان الغناء أحد ألوان الفن الذي يتقنه الموالي في المدينة قبيل الهجرة (4)، وخاصة القيان (5). ولما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة ذكر أن الحبشة، يعني الموالي من الحبشة، لبعت بحرابها فرحاً بقدومه (6). كما خرج جوار من بني النجار يضربن الدفوف ويغنين (7). ويظن بعض الباحثين المحدثين أن يهود المدينة استخدموا الغناء في عباداتهم كما استخدموه عند سقي الزروع وفي الحصاد (8). غير أن اتجاه المسلمين، في العهد النبوي إلى أمر الغزوات ونشر الإسلام، جعل تأثير الموالي - في مجال الغناء - في المدينة منعدماً، تقريباً. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان ينهى عن الغناء، ويصفه بمزامير الشيطان (9). وقد ظلت بذرة هذا التأثير في كمون شبه تام حتى العهد الأموي، فانطلقت من مكمنها (10). واعتبر معبد، مولى بني مخزوم - حينذاك - فحل المغنين وإمام أهل المدينة في الغناء (11). وكان معبد أحسن الناس غناء وأجوهم صنعة وأحسنهم خلقاً (12).…
__________
(1) ابن حبيب: المحبر، ص340. (2) ابن حبيب: نفس المصدر، ص263 - 265. (3) النور: 33، الطبري: جامع البيان: جـ18، ص132 - 133. (4) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص264. (5) ضيف (د. شوقي): الشعر والغناء، ص66 - 67. (6) السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص262. (7) وكان من ضمن كلامهن: "نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار". (انظر: السمهودي: نفس المكان). (8) Farmer, A.; History of Arabian Musci (London, 1929) p. 17. ( اقتبسه شوقي ضيف: المرجع السابق، ص56، الهامش رقم 1، نفس المكان). (9) البلاذري: الأنساب، جـ1، ص451 (تحقيق حميد الله). (10) ضيف: الشعر والغناء، ص41. (11) الأصفهاني: الأغاني، جـ1، ص48 - 50. (12) الأصفهاني: نفس المكان.