كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
81…كادت أن تكون واحدة ومتفقة في كثير من المجالات (1). وكان أبرهة الحبشي، حينما هم بغزو الكعبة بمكة، أشكل عليه الأمر ولم يستطع أن يفرق بين مكة والطائف حتى خرج عليه مسعود بن معتب الثقفي وقال له: إن هذا البيت ليس بالبيت الذي تريده إنما البيت الأعظم الذي تريد هو الذي صنع أهله ما صنعوا أمامك (2). وذلك يعطي فكرة عن تشابه الدور الديني والسياسي لثقيف وقريش وإلى أي حد كانت عليه منزلتهم بين العرب (3). وكانت قريش تنظر إلى الطائف على أنه امتداد طبيعي لنفوذها، كما كانت ثقيف تعد الحرم ملكاً للجميع (4). فقد ذكر أن قريشاً حين كثرت رغبت في وج، وهو وادي الطائف، فقالت لثقيف: نشرككم في الحرم واشركونا في وج، فقالت ثقيف: كيف نشرككم في واد نزله أبونا وحفره بيده في الصخر .. وزأنتم لم تجعلوا الحرم إنما جعله إبراهيم عليه الصلاة والسلام (5). وقد تأصلت تلك العلاقات بعد ظهور الإسلام بداعي محاربته ودحره، وكان يوم أحد شاهداً على ذلك حين خرجت قريش وهم ثلاثة آلاف بمن ضوى إليهم، وكان فيهم من ثقيف مائة رجل (6). وأحداث التاريخ الإسلامي، أظهرت إلى أي حد كانت ثقة الرسول بمقدرة وكياسة رجال قريش وثقيف للقيام بدورهم في بناء المجتمع الإسلامي، ولهذا كان يؤمل هدايتهم ودخولهم في الإسلام (7). ولم يحمل لهم حقداً، رغم عداوتهم. وهي صفات حازوا عليها نتيجة انفتاحهم الواسع على العالم - حينذاك - ومعاشرتهم لأهل العلم والكتاب من اليهود والنصارى ومعاملاتهم مع التجار سواء في بلادهم أم خارجها (8).…
__________
(1) ذكر أن أبا سفيان خرج في نفر من قريش ومن ثقيف فوجهوا بتجارة إلى العراق فقال لهم أبو سفيان: إنا نقدم على ملك جبار لم يأذن لنا في دخول بلاده، فأعدوا له جواباً. فقال غيلان بن سلمة الثقفي: أنا أكفيكم. فرضوا به. (انظر: ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص189 - 191). (2) ابن إسحاق: السيرة، جـ1، ص30 - 31، ابن حبيب: المنمق، ص73. (3) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص47. (4) ابن حبيب: المصدر السابق، ص280. (5) ابن حبيب: نفس المكان. (6) الواقدي: المغازي، جـ1، ص203 (طبعة أكسفورد). (7) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص470 - 471، ابن حبيب: المنمق، ص9 - 10، ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص449. (8) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ1، ص88 - 90، جـ2، ص292.