كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

85…وبعد الفتح أسلم جميع قريش (1). وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تآلف كبارهم بإعطائهم من غنائم حنين (2) وكان قد هاجر معظمهم وسكن المدينة (3). أما بالنسبة للثقفيين فقد اقتفت هجرتهم أسلوب القرشيين تقريباً. فقد كانت هناك هجرات فردية نتيجة ما يلاقيه المسلم في قومه من أذى وفتنة في دينه (4). كما كان لقوة الإيمان وعمق المبدأ وصدقه دافعاً لبعض شباب ثقيف على الهجرة إلى المدينة مضحين بما كانوا عليه في الطائف من ثراء وغنى بين أهليهم (5). وأسلم معظم ثقيف بعد الفتح وشهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض غزواته ولزموه في مجالسه ومسجده (6). وقد حظيت قريش في مجتمع المدينة بمنزلة كبيرة فكانت فيهم القيادة والزعامة (7). وقد شهد لهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة. فقد ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة بدر منصرفاً إلى المدينة تلقاه الأوس والخزرج يهنئونه بفتح الله عليه فقال سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري: بما تهنؤنا؟ فوالله إن قتلنا إلا عجائز صلعاً، كالإبل المعلقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما لوقد أسلموا، ثم رأيتهم لهبتهم ولو أمروك لاطعتهم ثم لحقرت افعالك مع فعالهم. قال: فلقد رأيتني في المدينة وأني لألقى الرجل منهم في اطريق فأتنحى عن طريقه هيبة له حتى يمر (8). ويقول ابن إسحاق عن تلك الحادثة ما ملخصها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين سمع مقالة سلمة بن سلامة، تبسم، ثم قال: أي ابن أخي، أولئك الملأ (9). وتتجلى مما سبق في تقديم قريش، حكمة الرسلو صلى الله عليه وسلم وبعد نظره، وهو الذي لا ينطق عن الهوى. فمع أن الظروف في تلك اللحظات لم تكن مناسبة وكان بمقدور الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصدق على ما قاله سلمة بن سلامة أو يتجاهله، خصوصاً وأن المنهزمين كانوا ممن طردوه من بلده وأذوه، وأن المهنئين، كانوا ممن نصره وآواه. إلا أن الرسول…
__________
(1) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ4، ص867 - 884، ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص9، جـ2، ص51 - 52، 400 - 401. (2) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص390 - 391. يقول ابن إسحاق. "وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم، وكانوا أشرافاً من أشراف الناس، يتآلفهم ويتآلف بهم قومهم، أعطى أبا سفيان بن حرب مئة بعير وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة - أخا بني عبد الدار - مئة بعير. وأعطى الحارث بن هشام مئة بعير وأعطى سهيل بن عمر مئة بعير وأعطى حويطب بن عبد العزي بن أبي قيس مئة بعير. (انظر: المصدر السابق، جـ4، ص929). (3) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص9، 84، جـ2، ص89. (4) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص275. (5) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص512. (6) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص43، 152، 344، 541، 568، جـ2، ص49، 441، 540. (7) ابن حبيب: المنمق، ص9 - 10، ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص449. (8) ابن حبيب: المصدر السابق، ص9 - 10. (9) السيرة، جـ2، ص470 - 471.

الصفحة 85