كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
87…كانت هي المهيمنة على أمور الكعبة وما يتعلق بها من شئون الحج وشعائه، وهي المسؤولة عن تقديم الخدمات للحجاج العرب في الجاهلية (1)، كالرفادة والسقاية وحمل المنقطع به من الحاج ومعونه على بلاغ منزله (3). كما أن مواهب قريش السياسية وبراعتهم في شئون التجارة جعلهم يحصلون الآلاف من ملوك الفرس والروم واليمن لضمان التبادل التجاري بين تلك البلدان وقبائل الجزيرة العربية (3). وهذا أكسبهم أيضاً محبة واحترام القبائل، إذ أن تلك المهمة قد ساعدت على ازدهار النشاط التجاري لديه وحفظت رؤوس أموالهم وأرباحهم نتيجة قيام قريش بمهمة الوكالة في ذلك. والآلاف كان يعني دفع مبلغ من المال يمنح من قبل هاشم إلى رؤساء القبائل كأرباح ويتعهد بنقل بضائهم مع بضائعه، ويسوق إبلهم مع أبله، كي يريحهم من شاق الرحلة ويضمن سلامة تجارتهم، كما أنه يريح قريشاً من شر الأعداء، بمعنى أنه كان مفيداً للجانبين (4). ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر قد رفض مشورة من رأى ضرب أعناق الأسرى القرشيين وقبل إجابة أبي بكر الصديق بقبول الفداء منهم (5). ثم إنه - فيما ذكر - كان يبعث بمال إلى أبي سفيان بن حرب في فقراء قريش وهم مشركون يتآلفهم (6). وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من الممكن ألا تتغير نظرته تلك تجاه قريش، حتى لو لم تكن قريش من قومه وعشيرته، فقد ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث نميلة بن عبدالله اللثي إلى بني ضمرة فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالك يا رسول الله قالوا: لا نحاربه ولا نسالمه ولا نصدقه ولا نذكبه، فقال الناس: يا رسول الله أغزهم. فقال: دعوهم فإن فيهم عدداً وسؤدداً، ورب شيخ صالح من بني ضمرة غاز في سبيل الله (7). ومن ذلك نرى أن تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع بعض القبائل كان مبنياً على المرونة والرفق بهم، لما يتوسمه فيهم من خير وصلاح للإسلام وأهله، حتى وإن لم يسلموا بعد.…
__________
(1) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ1، ص84، كستر: المرجع السابق، ص55. (2) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ1، ص84، ابن حبيب: المنمق، ص11. (3) انظر: السهيلي: الروض الأنف، جـ1، ص76، كستر: مكة والحيرة، ص56 - 59. ويقول ابن إسحاق: "غيلاف قريش: إيلافهم، يعني الخروج إلى الشام، وكانت لهم خرجتان، خرجة في الشتاء، وخرجة في الصيف". (انظر: السيرة، جـ1، ص36). (4) O'Leary; Arabia before Muhammed, pp. 182, 184. كستر: المرجع السابق، ص46. (5) الواقدي: المغازي، جـ1، ص107 - 110 (طبعة أكسفورد)، ابن الحاج: رفع الخفاء، ورقة 78. (6) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص505. (7) اليعقوبي: تاريخ، جـ2، ص73.