كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

94…وقد ساعد قفل باب الهجرة، على انتشار الإسلام بين القبائل في اليمن والشام وغيرها من أنحاء الجزيرة العربية. وذلك لكثرة ممن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وتفقه في الدين ثم رجعوا إلى قومهم يحدثونهم عن الإسلام ويدعونهم إليه (1). وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب لبعضهم كتباً تذكر أن حامليها مبعوثون إلى قومهم عامة ومن دخل فيهم، يدعونهم إلى الله ورسوله (2). ولعل الدارس لفئات أولئك المهاجرين، يلاحظ أن المهاجرين من أهل نجد يشكلون نسبة ليست بالكبيرة في المجتمع المدني. قياساً لما كانت تتمتع به تلك البلاد من إمكانات بشرية واقتصادية مرموقة في العصر الجاهلي (3). وقد كانت بلاد الحجاز تعتمد في غذائها من الحبوب، على ما يأتيها من نجد، حتى قيل أن اليمامة مريف أهل مكة (4). وكان يضرب بمنتوجاتها الحيوانية والزراعية المثل في الجودة (5). كما أن نجداً تعد المصدر الرئيسي للخيول العربية الأصيلة (6)، حيث تربى في سهوبها ووديانها أحسن الخيول (7). وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على جلبها إلى المدينة (8). ويبدو أن اكتفاء نجد المعيشي وازدهارها الاقتصادي قد قلل من هجرتهم بشكل ملحوظ، ولهذا اتسمت علاقاتهم واتصالاتهم، بالمدينة - بادئ الأمر - بطابع سياسي، في الغالب. وهذا ما نجده في إرسال وفد بني تميم بهدف المفاوضة لفك أسرى بني العنبر من تميم (9)، أو البعثات التي يرسلها مسيلمة إلى المدينة لمناظرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومحاجته (10) وقد أسلم معظم من وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبقي في المدينة (11). ومنهم من رجع إلى اليمامة (12).…
__________
(1) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص211، جـ3، ص441، 435. (2) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص413، 441. (3) الهمذاني: مختصر البلدان، ص29 - 30، كستر: الحيرة ومكة، ص40. وفي هذا المجال يذكر كستر أن لتاريخ تميم في العصر الجاهلي أهمية خاصة. وأن المعلومات حول تميم في المصادر العربية تشير بوضح إلى العلاقات الوثيقة بين زعماء تميم وملوك الحيرة. وهنالك مركز آخر ارتبطت به تميم بعلائق وثيقة مع مكة، ويذكر كستر أيضاً، أنه من الممكن القول أن تميماً لعبت دوراً ذا أهمية في تاريخ مكة في العصر الجاهلي وكانت تساهم كثيراً في دعم نفوذ هذه المدينة في المجتمع القبلي لشبه الجزيرة العربية. (انظر: نفس المكان). (4) يذكر أن ثمامة بن أثال الحنفي، أحد رؤساء نجد، قد هدد قريشاً حين أسلم، بقطع حبوب نجد عنهم إذا ما تمادوا في عنادهم ومعاداتهم للإسلام. (انظر: ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص203، حسن، حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام، جـ1، ص5، ط1، القاهرة، 1964م). (5) الهمذاني: المصدر السابق، ص29 - 30. (6) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص28. (7) حسن، حسن إبراهيم: المرجع السابق، جـ1، ص5. (8) ابن إسحاق: السرية، جـ3، ص725، ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص28. (9) ابن حجر:: الإصابة، جـ1، ص58 - 59. (10) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص630. (11) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص21، 58 - 59، جـ3، ص630. (12) ابن خياط: الطبقات، ص65 - 66.

الصفحة 94