كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

97…ولم تكن تلك الخبرة مقتصرة على معرفة طرق مرابعهم ومنتجعاتهم القريبة فحسب، فقد ذكر ناجية بن جنب بن عمير بن يعمر الأسلمي، إنهم كانوا بالغميم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر قريش أنها بعثت خالد بن الوليد، جريدة خيل يتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكره رسول الله 0ص) أن يلقاه، وكان لهم رحيماً، فقال: من برجل يعدلنا عن الطريق؟ فقلت: أنا بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: فأخذت بهم في طريق قد كان بها فدافد وعقاب فاستوت لي الأرض حتى أنزلته على الحديبية (1). كما وصف أحد الهاجرين، بأنه كان من أهدى الناس بالطريق (2). وقد شاركت طوائف المهاجرين في الغزوات والبعوث كجنود مجنولين على الرغم من أن أحدهم ذكر أنه قتل تسعة وتسعين من المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (3). وكان صدق الإيمان أعظم دافع لهؤلاء المهاجرين على أقدامهم وحرصهم على خدمة الإسلام والذود عن حياضه. ومن ذلك ما ذكر أن محرز بن نضلة الأسدي ويعرف بالأخرم، جاء يتخلل الشجر مع فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أولهم، وذلك في غزوة ذي قرد. فأخذ أحد الصحابة بعنانه فقال: يا أخرم أحذرهم لا يقتطعونك قبل أن تلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه. فقال: إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة (4). وهنا نجد أن إيمانهم الصادق ورغبتهم في الشهادة في سبيل الله، كان هو الباعث القوي على إخلاصهم واندفاعهم لنصرة الإسلام، زاهدين فيما سوى ذلك من مركز أو سمعة. وقد ساهم عدد كثير من طوائف المهاجرين، جنباً إلى جنب مع الأنصار أثناء الغزوات، على تنطس أخبار العدو وتتبع حركاته (5).…
__________
(1) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص541. الغميم: بفتح أوله، وكسر ثانيه ثم ياء مثناه من تحت ميم أخرى، وهو الكلأ الأخضر تحت اليابس. والغميم، فعيل بمعنى مفعول أي مغموم وهو الشيء المغطى. والغميم هنا موضع له ذكر كثير في الحديث والمغازي، وهو قرب المدينة بين رابغ والجحفة. وهناك موضع آخر بين مكة والمدينة يقال له: كراع الغميم. (انظر: ياقوت: معجم البلدان، جـ4، ص214). الحديبية: بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وياء موحدة مكسورة: قرية متوسطة، ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة، التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها. وبينها ومكة مرحلة. وبينها وبين المدينة تسع مراحل. (انظر: ياقوت: نفس المصدر، جـ2، ص229). (2) هو فرات بن حياف بن ثعلبة بن عبد الغزى اليشكري قثم العجلي، حليف بني سهم. (انظر: ابن حجر: المصدر السابق، جـ 3، ص200 - 201). (3) والمهاجر المذكور، هو لقيط بن أرطأة السكوني. (انظر: ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص259، 306، 329، وفي أماكن متفرقة، جـ4، ص48، 53). (4) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص368. ذي قرد: بفتح القاف، ويقال قرد بضمتين، والقرد في اللغة الصوف الردئ. (انظر: السهيلي: الروض الأنف، جـ4، ص14). وغزوة ذي قرد، سببها هجوم عيينه بن حصن الفزاري في خيل من غطفان على لقاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة. (انظر: ابن إسحاق: السيرة: جـ3، ص751 - 752). (5) ابن عبد البر: الاستيعاب، (هامش كتاب الإصابة، جـ1). ص61، 63، 74.

الصفحة 97