كتاب مسألة وجوب تخميس الغنيمة

ومما يحمل على القطع بهذا التأويل: حديث عمرو بن شعيبٍ السابق في أول المسألة؛ فإن الأنصار قالوا: ((وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ))، ومعلومٌ أن قولهم هذا كان بعد القسمة؛ فقد ثبت في ((صحيح البخاري)) وغيره التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رد على هوازن بعد القسمة.
ولو ثبت أنه لم يعطهم شيئاً من جميع الغنيمة، لم يكن فيه دلالةٌ لقول القائل المذكور؛ لأنها قضية عين.
فإن احتج صاحب هذه المقالة: بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم سواد العراق بين الغانمين واستغلوه سنين ثم استنزلهم عنها، وعوض بعضهم.
ثم رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يردها إلى أهلها من الغانمين لولا شيءٌ منعه. ثم رأى الأئمة بعده تمليكها لأربابها والحكم بتمكينهم من جميع التصرفات فيها.
قلنا: احتجاجه بفعل عمر رضي الله عنه احتجاجٌ باطل، بل هو صريح في الحجة عليه؛ لأن عمر رضي الله عنه قسمها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، وتسلمها المقسوم عليهم، وبقيت في أيديهم سنين، وأملاكهم مستقرةٌ عليها، وتصرفاتهم نافذة فيها، ثم اشترى بعضها واتهب بعضها برضى مالكيها، فتملكها لبيت المال، ثم وقفها للمصلحة التي رآها للمسلمين في

الصفحة 43