كتاب الغرامية في مصطلح الحديث

هكذا مر عهد أصحاب رسول الله - رضي الله عنهم - بين حيطة وتوثق من صحة النقل، فلما ظهرت الفنتة برز التفتيش عن أحوال الرجال وما هم عليه من الصفات، يقول ابن سيرين رحمه الله: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم (¬1)، وكذلك تكلم في هذا الباب جمع من التابعين منهم: الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، والإمام مالك وغيرهم، ومن هنا أصبح الإسناد أمرا لا مفر منه في الرواية، وما ليس له إسناد كمن لا نسب له، ومن أهمية الإسناد نشأت الرحلة إلى الأمصار، بحثا عن التوثق والعلو في الإسناد، واعتبر الأئمة ذلك من الدين، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يقول ابن سيرين رحمه الله: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم (¬2).
ومن هنا نعلم أن الخطوط العريضة لنقد الأسانيد والمتون برزت الحاجة إليها مبكرة في عهد الأصحاب - رضي الله عنهم -، كما هو واضح مما تقدم ذكره، وهكذا نما الاعتناء بهذا الجانب العظيم، في مراحل تاريخية متفاوتة وهي أربع مراحل:
1 - عهد الأصحاب - رضي الله عنهم - وما أبدوا فيه من خطوط عريضة لقواعد الحيطة والتثبت في النقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتعتبر هذه المرحلة من بداية القرن الأول إلى نهايته، غير أنه لم يدون شيء كبير في هذا الصدد، سوى ما كان من كتابة عبد الله بن عمر وغيره، فهذا القرن خير القرون، كان فيه
¬_________
(¬1) ذكره الإمام مسلم في مقدمة الصحيح (1/ 15) باب (5) ..
(¬2) أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح (1/ 14) باب (5).

الصفحة 7