كتاب الغرامية في مصطلح الحديث

باب زيادة التثبت والاستيثاق من صحتها، فمن هنا اشتدت غضبة مسلم وقست لهجته، ومخالف الإمام مسلم أراد الحفاظ على السنة، بأن لا يحتج منها إلا بما ثبت بأحوط الطرق في ثبوتها (¬1)، ولذا كان هو رأي جمهور المتقدمين، قال النووي رحمة الله علينا وعليه: وهذا الذي صار إليه مسلم، قد أنكره المحققون، وقالوا: هذا الذي صار إليه ضعيف، والذي رده هو المختار، ووصف بأنه الأصوب الأقوى، وأنه المختار، وأنه أحوط (¬2)، والحق أن الرأيين يلتقيان في مبدأ الذود عن السنة المطهرة، ولا غرابة فالإمامان البخاري ومسلم إماما هذا الفن بغير منازع، من عصرهما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لذلك تلقت الأمة عملهما بالقبول (¬3)، ولم يخرجوا أحاديث مسلم المعنعنة من دائرة الصحيح، وهم متفقون على أن ما في كتابه صحيح، وجمع مع كتاب البخاري في تسمية واحدة "الصحيحين" فجمهور المتقدمين على
¬_________
(¬1) انظر (التتمة الثالثة على الموقظة ص: 123، 121) وقد تصرفت بالتنسيق فقط.
(¬2) انظر (شرح علل الترمذي 268 - 273، والسير 12/ 573، مقدمة صحيح مسلم 1/ 128) ..
(¬3) موضوع تلقي الأمة لكتابيهما بالقبول، بينه الإمام ابن تيمية رحمة الله علينا وعليه فقال: الخبر الذي تلقاه الأمة بالقبول تصديقا له أو عملا بموجبه، يفيد العلم عند جماهير الخلف والسلف، وهذا في معنى المتواتر، لكن من الناس من يسميه المشهور والمستفيض، ويقسمون الخبر إلى متواتر ومشهور وخبر واحد، وإذا كان كذلك فأكثر متون الصحيحين معلومة متيقنة، تلقاها أهل العلم بالحديث بالقبول والتصديق وأجمعوا على صحتها، وإجماعهم معصوم من الخطأ، كما أن إجماع الفقهاء على الأحكام معصوم من الخطأ، ولو أجمع الفقهاء على حكم كان إجماعهم حجة، وإن كان مستند أحدهم خبر واحد أو قياس أو عموم، فكذلك أهل العلم بالحديث إذا أجمعوا على صحة خبر أفاد العلم، وإن كان الواحد منهم يجوز عليه الخطأ، لكن إجماعهم معصوم عن الخطأ (مجموع الفتاوى 18/ 48 - 49) ولمزيد العلم، انظر (توجيه النظر 1/ 317 - 329) ..

الصفحة 83