كتاب دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب سلفية لا وهابية

سبيل الله وهدد بالقتل، واعتدى عليه سفهاء الناس، وتنكر له علية القوم، فخرج إلى "الدرعية"، خرج وحيداً طريداً، ولأن الله يعلم منه إخلاص القصد فقد أكرمه بالنصرة والمنعة، ويسر له من يذود عن دعوته بماله وسلاحه، وبعد سنوات قلائل كانت الجزيرة العربية بأسرها قد توحدت تحت راية التوحيد الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأدرك أعداء الإسلام خطورة الدعوة الجديدة، بعد أن انطلقت جحافل الموحدين تقرع أبواب العراق والخليج وبلاد الشام، فسخرت فرنسا الصليبية صنيعتها محمد علي باشا، وأمدته بأحدث أنواع الأسلحة والمعدات، واستعان بضعاف النفوس وأصحاب المطامح من وجهاء الجزيرة وأشرافها، الذين فقدوا زعامتهم التي ما كان لها أن تنمو لولا الخرافة والفرقة والجاهلية، واستطاع أعداء الإسلام أن يوقفوا زحف الدعوة الإصلاحية وأن يضعوا العراقيل في مسيرتها المظفرة، فخسر العالم الإسلامي خسارة كبيرة عندما توقف زحف الدعوة.
وأعداء الله منذ القديم يعملون على تشويه الإسلام وإيقاف مده، وإقامة مساجد الضرار التي تتظاهر بالإسلام وتبطن الخبث والإلحاد.
ثم عادت الدعوة بعد حين إلى ربوع الجزيرة، وانبثق عنها نظام حكم، وإذا كان امتدادها السياسي قد توقف في حدود شبه الجزيرة العربية، فامتدادها الفكري قد شمل العالم الإسلامي بأسره، وها نحن نجد أنصاراً لهذه الدعوة في الهند وباكستان، وبلاد الشام ومصر والسودان، وأثرهم يزداد يوماً بعد آخر، والحمد لله.
يلزمهم من التحريف والتعطيل ولو أمعنوا النظر لسووا بين المتماثلات وفرقوا بين المختلفات وكما تقتضيه المعقولات ولكانوا من الذين أوتوا العلم الذين يرون أنما أنزل إلى الرسول هو الحق من ربه ويهدي إلى صراط العزيز الحميد.
ولكنهم من أهل المجهولات المشبهة بالمعقولات يسفسطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات.
وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه لا بد من وجود قديم غني عما سواه إذ نحن نشاهد حدوث المحدثات كالحيوان والمعدن والنبات، والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع وقد علم بالاضطرار أن المحدث لا بد له من محدث والممكن لا بد له من موجد كما قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} ، فإذا لم يكونوا خلقوا من غير خالق ولا هم الخالقون لأنفسهم، تعين أن لهم خالقا خلقهم.
وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم: فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصيص والتقييد ولا في غيره.
فلا يقول عاقل إذا قيل إن العرش شيء موجود، وأن البعوض شيء موجود: إن هذا مثل هذا؛ لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود، لأنه ليس في

الصفحة 10