كتاب دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب سلفية لا وهابية

فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} ، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء، وصاحب المقام المحمود، وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله لا يشفع ابتداء بل "يأتي فيخر ساجداً فيحمده بمحاد يعلمه إياها، ثم يقال ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، ثم يحد له حداً فيدخلهم الجنة". فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء.
وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين، بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهجهم.
وأما ما صدر من سؤال الأنبياء والأولياء الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها والسرج والصلاة عندها واتخاذها أعياداً وجعل السدنة والنذور لها، فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منها، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان"، وهو صلى الله عليه وسلم حمى جنات التوحيد أعظم حماية، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، فنهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر، وثبت فيه أيضاً أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه، ولا تمثالاً إلا طمسه، ولهذا قال غير واحد من العلماء: يجب هدم القبب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس، حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا، حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم، وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب
الجهلاء ... يوهمون الناس بالباطل والشبهات ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من أصحاب القبور1".
وبما أن (نجد) بقعة من العالم الإسلامي فقد أصابها ما أصابه، وجرفها تيار الانحراف عن الدين الإسلامي الصحيح، من شرك وبدع وخرافات.
وبالرغم من هذا التدهور، فإن الشعوب الإسلامية لا تعدم من توجد عنده الرغبة الصادقة في إصلاح هذا الفساد، تحقيقاً لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" 2، عند ذلك طلعت شمس الهدى والرشد من واد غير ذي زرع، ورمال الأرض العربية التي كانت قد اشتهرت بطيب العرار والخزامي قد فاح فيها طيب التوحيد من جديد، وعلت كلمة الحق حتى عطرت العالم بأسره، تنادي بالعودة إلى الإسلام ويسره، والاستمداد من نبعه الصافي، فتدلى الثمر وطاب بدعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ابن نجد من جزيرة العرب، هذه البقعة الواسعة التي تغنى بها الشعراء وذكرها المحدثون، لما لها من مكانة خلدتها في نفوس البشر الأدباء والمؤرخين أحداث وأحداث ... ولم يذكر الشعراء موضعاً
__________
1 رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب –تأليف محمد بن عبد الله السلمان ص 31. مطابع دار طيبة –الرياض.
وانظر أيضاً: حاضر العالم الإسلامي (ترجمة عجاج نويهض) 4-ص34.
2 حديث صحيح رواه أبو داود والحاكم.

الصفحة 20