كتاب دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب سلفية لا وهابية

عصر النبوة بنحو مائة وخمسين عاماً، وكان موضع تألقه بعيداً عن منزل الوحي ومهبط الرسالة، كان هناك في شمال أفريقيا، ومع ذلك بقي الإسلام يمده بالإيمان المشرق، ويرشده إلى منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصده تأخر الزمان ولا بعد المكان عن الإسهام الرائع في بناء مجتمعه على أساس الدين والعلم، والإعداد والربط بين الدرس وجهاد النفس، ذلكم هو الإمام العالم أسد بن الفرات1 الذي جمع الله تعالى له الإمارة والقضاء، وكان يقال له من أجل ذلك: القاضي الأمير، الذي جمع بين العلم والعمل، وبين الفقه والجهاد، وسعى في الدنيا ليربح الآخرة.
ولقد أكرم الله تعالى أمتنا الإسلامية بعلماء كثيرين جاهدوا بلسانهما وسنانهم وإيمانهم وقلمهم، منهم الإمام ابن تيمية الحراني رحمه الله الذي ولد في حران2، وهي مدينة مشهورة على طريق الموصل والشام والروم، من أسرة ذات علم ودين، فأبوه وجده كانا من كبار علماء الإسلام، وقد ارتحل به والده في طفولته إلى دمشق بسبب غارات التتار المخربة على بلاد الإسلام، وهناك نشأ نشأته الإسلامية العلمية القرآنية الحديثية الفقهية العربية، القائمة على أسس من طهارة الأنساب وتقوى الآباء وصفاء البيئة الشامية والاستعداد الطيب لخدمة الإسلام
__________
1 الإمام العلامة القاضي الأمير مقدم المجاهدين أبو عبد الله الحراني ثم المغربي، مولده بحران سنة أربع وأربعين ومائة، ودخل القيروان مع أبيه في الجهاد، وكان أبوه فرات بن سنان من أعيان الجند. وكان أسد رحمه الله مع توسعه في العلم فارساً بطلاً شجاعاً مقداماً ... سير أعلام النبلاء الجزء العاشر 2251 بتصرف شديد.
2 هي اليوم من مدن تركيا، فتحت في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على يد عياض بن غنم رضي الله عنه وإليها ينسب جماعة كثيرة من أهل العلم.

الصفحة 41