كتاب دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب سلفية لا وهابية

وعلومه، وكان ذكياً حاضر الذهن قوي الذاكرة بصورة باهرة، وكان يجادل ويحاور وهو صغير، وبدأ الإفتاء قبل أن يبلغ العشرين من عمره، وكان خبيراً بعلوم الحديث والتفسير والفقه واللغة1، والغوص في دقائق المعاني، وأتقن دراسة المذاهب الفقهية، يقول عنه ابن فضل الله العمري: "كان أمة وحده، وفرداً حتى نزل لحده"، وقد ازداد ابن تيمية رحمه الله تعالى على مر الأيام صلابة في دينه، وقوة في يقينه، ولا عجب فهو أشهر الأتباع للإمام المجاهد المحتسب الجليل أحمد بن حنبل رحمه الله الذي احتمل ما لا يحتمله سواه من الأذى في سبيل الاستمساك بعقيدته في كلام الله العزيز وقرآنه المجيد، وكان ابن تيمية رحمه الله متيقظاً شهماً شجاعاً لا يفتر عن الأعداء ليلاً ولا نهاراً، بل هو مناجز لأعداء الإسلام وأهله، ولم شعثه واجتماع شمله، أقامه الله في هذا الوقت المتأخر عوناً ونصراً للإسلام وأهله، وشوكة في حلوق المارقين من الفرنج والتتار والمشركين، فأبطل الخمور، ونفى الفساق من البلاد، وكان لا يرى شيئاً من الفساد والمفاسد إلا سعى في إزالته بجهده وطاقته، وتصدى لمقاومة الفتن، وخاطب عقول الجماهير، وتبنى مهمة الرد على الفرق والملل غير الإسلامية، وقاوم عقائدها وتقاليدها وتأثيرها، وبعث الفكر الإسلامي الصحيح، وجدد العلوم الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة، وما صح عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونقد بشدة الفلسفة والمنطق وعلم الكلام، وفضح البدع والمنكرات وعبادة القبور السافرة المؤيدة من بعض المشايخ، والاستخفاف بشعائر الله عز وجل، وتصدى لأصحاب المشاهد ووقاحة جرأتهم وشركهم، ورفع رحمه الله تعالى لواء تجديد التوحيد، ومنع الاستغاثة
__________
1 البداية والنهاية 14/137.

الصفحة 42